الرأي

إنّه‮ ‬البوطي‮ ‬يا‮ ‬جزيرة‮!‬

رشيد ولد بوسيافة
  • 11134
  • 39

عندما تختصر الجزيرة وأخواتها من الفضائيات العربية الشيخ البوطي- رحمه الله- في كونه مؤيدا لنظام بشار الأسد، يؤكد الإعلام العربي مرة أخرى أنه يعيش أزمة أخلاقية كبيرة تجعله يتخلى عن كل معايير الموضوعية والأداء الإعلامي النزيه، لدرجة اختصر فيها عالم جليل وداعية‮ ‬إلى‮ ‬الله‮ ‬في‮ ‬موقف‮ ‬واحد‮ ‬اتخذه‮ ‬في‮ ‬آخر‮ ‬حياته‮.‬

البوطي ضحية فتنة لم يكن محركها بل حاول التصدّي لها بطريقته الخاصة بغض النظر عن تقييم اجتهاده إن كان خطأ أو صوابا، لكن إعلام الفتنة تخندق في طرف سوري على حساب الطرف الآخر، وقفز على كل ما يمثله الشيخ البوطي من علم وتقوى وجهاد بالكلمة والموعظة الحسنة، ولم يبق‮ ‬إلا‮ ‬موقف‮ ‬البوطي‮ ‬من‮ ‬الأزمة‮ ‬السورية‮ ‬أمام‮ ‬الإعلام‮ ‬العربي‮.‬

الشيخ البوطي أقر بأن الوضع في بلاده قبل انطلاق الثورة السورية، ليس جنة، ولكنه حذر السوريين من تغيير نظام الحكم باستخدام العنف بالقول إن باب محاولة تغيير النظام يوجد وراءه منحدر طويل وإن التوقف أو محاولة التراجع من المستحيلات وهكذا كان الأمر.

لقد مضى الشيخ البوطي إلى ربه وهو يدعو السوريين إلى المصالحة، وفضل البقاء في بلده والموت فيه على اللّجوء إلى دولة خليجية أو أوروبية رغم كل الإغراءات، وهو موقف يحسب له حتى وإن كان في صالح نظام بشار الأسد الذي يبدو أنه استفاد كثيرا من الشيخ رمضان البوطي حيا وميتا‮.‬

وليس مستبعدا أن يكون النظام السوري نفسه وراء عملية الاغتيال لأن قتل الشيخ البوطي كان في صالحه بكل المقاييس، خصوصا أن الإعلام السوري استثمر بشكل فعال في عملية التفجير كما أن الحوار المؤثر جدا الذي أجرته الفضائية السورية ساعات قبل الاغتيال يثير الريبة.

كما‮ ‬لا‮ ‬يمكن‮ ‬تبرئة‮ ‬الجماعات‮ ‬المسلحة‮ ‬المنفلتة‮ ‬التي‮ ‬تسيطر‮ ‬على‮ ‬المدن‮ ‬السورية‮ ‬وترتكب‮ ‬كل‮ ‬أنواع‮ ‬الجرائم‮ ‬من‮ ‬قتل‮ ‬وذبح‮ ‬وشنق‮ ‬ضد‮ ‬من‮ ‬تقول‮ ‬إنهم‮ ‬شبيحة‮ ‬النظام‮ ‬الأسدي،‮ ‬حيث‮ ‬يتم‮ ‬إعدامهم‮ ‬ميدانيا‮ ‬دون‮ ‬محاكمات‮.‬

هي فتنة كبيرة كان الإعلام العربي بطلها الرئيس هذا الإعلام الذي يروج للربيع العربي في سوريا وليبيا وتونس ومصر والمغرب والجزائر، بينما يسكت عن دول الخليج التي تحميها عائلات ومشيخات لم تعرف يوما مصطلحات الديمقراطية والانتخابات وحكم الشعب والتداول على السلطة وحرية‮ ‬التعبير‮.‬

مقالات ذات صلة