-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

احفظوا دينكم وعقولكم يا شباب

سلطان بركاني
  • 3030
  • 0
احفظوا دينكم وعقولكم يا شباب

لو أنّ شخصا لا يملك أدنى خبرة في تجارة السيارات، اشترى سيارة مستعملة بمبلغ 80 مليون سنتيم، وأتمّ إجراءات البيع والشّراء، لكنّه بعد أيام قليلة اكتشف أنّ بها عيبا يُفقدها أكثر من نصف قيمتها.. طبعا، سنلوم البائع الذي احترف الغشّ والخداع، ولكنّ لومنا سيتوجّه أكثر إلى المشتري المخدوع، لأنّه لم يشاور أهل الاختصاص، ولم يستعن بأهل الخبرة قبل إتمام إجراءات البيع والشّراء.

هذا خداع يتعلّق بعَرض من أعراض الدّنيا التي يمكن تعويضها، وإن لم تعوّض فإنّها في النّهاية لا تعدو أن تكون متعلّقة بدنيا زائلة، لكنّ المخدوع والمغبون حقيقة هو من خُدع في أعظم كنز يملكه في هذه الحياة؛ في دينه الذي به عصمة أمره، وبه سعادته في الدنيا ونجاته في الآخرة.

لقد أصبح من السّهل واليسير أن يُخدع المرء في دينه، في هذا الزّمان الذي تتدفّق فيه الشّهوات والشّبهات من كلّ حدب وصوب، على عبادٍ لله مسلمين يجهل كثير منهم أبجديات دينهم، ولا يميّزون بين الغثّ والسّمين، ويسهُل أن يكونوا ضحايا لمحترفي الخداع والتّحريف، الذين يسوّلون لشباب هذه الأمّة التنكّر لثوابت دينهم، والتمرّد على مسلّماته، بدعوى التحرّر والتّفكير واستخدام العقول؛ ويسوّقون بين شبابٍ يجهل الواحد منهم أسماء الموسوعات التي تشرح كتب الحديث، وتبيّن مدلولاتها وتفكّ الغامض من عباراتها، ولا يسمعون عن الكتب المتخصّصة في بيان مشكل الآثار، والجمع بين ما يظهر بينه التعارض من الأخبار؛ يسوّقون بين هؤلاء الشّباب دعاوى التحرّر والتمرّد على الموروث، ويقولون لهم: “زمن الاتباع قد ولّى، وأنتم شباب واعون ومثقّفون، يجب عليكم أن تعيدوا قراءة التراث لترفضوا ما لا تقبله عقولكم”.

فينطلق هؤلاء الشّباب المساكين ليخوضوا البحر قبل أن يتعلّموا السّباحة، ثمّ لا يلبثون أن يجدوا أنفسهم قد انتقلوا من الأصل إلى الشاذّ، من دين الله الحقّ الذي ملأ علماؤه الدّنيا بالدّراسات التي تتحدّث عن الإعجاز العلميّ والعقليّ والغيبيّ في القرآن الكريم، وفي السنّة المطهّرة التي حوتها كتب الحديث كالبخاريّ ومسلم والموطّأ والسّنن، إلى مذاهب ثملت مصادرها الحديثية بخرافات وأساطير، لا يمكن أن تجد العقول لها تفسيرا، تروّج لها روايات تنسب إلى نبيّ الهدى -صلى الله عليه وآله وسلّم- ما يستحي اللّسان من حكايته، ويكسف القلم حياءً من زبره، وتنسب إلى أعلام أهل البيت -رضي الله عنهم- ما تستبشعه الفطر وتستشنعه العقول، ويناقض تمام المناقضة ما تواتر في سيرهم العطرة، خذ مثلا هذه الرّواية التي أوردها هاشم البحراني في كتابه “مدينة المعاجز” عن قبيصة بن عبد الحميد قال: قال لي جابر بن يزيد الجعفي: رأيت مولاي الباقر(ع) وقد صنع فيلاً من طين فركبه وطار في الهواء، حتى ذهب إلى مكة ورجع عليه، فلم أصدّق ذلك منه حتى رأيت الباقر(ع)، فقلت له: أخبَرني جابر عنك بكذا وكذا؟ فصنع فركب وحملني معه إلى مكة وردّني. (مدينة المعاجز، رواية 1422).

ولا تقلّ غرابة عن هذه الرواية رواية أخرى أوردها “الصّدوق”! في أماليه عن علي بن يقطين، قال: استدعى الرّشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، ويقطعه ويخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزّم، فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز، فكان كلّما رام خادم أبي الحسن (عليه السلام) تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه، واستفزّ هارون الفرح والضّحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن (عليه السلام) أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض السّتور، فقال له: يا أسد الله، خذ عدو الله. قال: فوثبت تلك الصّورة كأعظم ما يكون من السّباع، فافترست ذلك المعزّم، فخرّ هارون وندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم، وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه، فلمّا أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لأبي الحسن (عليه السلام): أسألك بحقّي عليك، لما سألت الصّورة أن تردّ الرّجل. فقال: إن كانت عصا موسى (عليه السلام) ردّت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيّهم، فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرّجل، فكان ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه. (الأمالي للشيخ الصدوق،  ص 212 – 213)!!!.

هذه الخرافات لم تبق حبيسة الكتب والمراجع والمصادر القديمة، بل تحوّلت إلى مصدر شهرة وثراء لكثير من دعاة وخطباء المذاهب الطائفية في هذا الزّمان، وأصبحت مادّة دسمة وفعّالة لاستثارة العواطف، وتخدير العقول في الحسينيات، يلجأ إليها خطباء طار ذكرهم في الآفاق، من أمثال الخطيب المعروف عبد الحميد المهاجر، الذي هاجر في محرّم من هذا العام (1437هـ) ليلقي محاضراته المليئة باللّعن والطّعن في “ديترويت ميتشغان” بالولايات المتحدة الأمريكية!

 هذا الخطيب عندما كان في كامل صحّته قبل بضع سنوات، كان يحضر مجالسَه عشرات الآلاف من الموالين، ويتبرّك محبّوه به وببصاقه، وكانت القنوات الشّيعيّة تتنافس في نقل محاضراته؛ استدلّ هذا الخطيب في أحد مجالسه بقصّة الإمام الكاظم –رحمه الله- حينما أمر الأسد المصوّر فتحوّل إلى أسد حقيقيّ، وزعم في مجلس آخر أنّه أحضر معه طنّا ونصف الطنّ من الشوكولاطة، توزّع على أكثر من 100 ألف حاضر في مجلسه، قال إنّه جرّب بنفسه هذه الشوكولاطة، بل وجرّبها كلّ أحرار العالم، وهي شوكولاطة خاصّة تشفي أمراضا مستعصية يعجز عنها الطبّ والأطبّاء، بل وذهب بعيدا ليقول: إنّ شكولاطة واحدة تشفي عشيرة كاملة لأنّ الله هو أرحم الرّاحمين، فما كان من الحاضرين إلا أن ضجّوا بصوت واحد: “اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وعجّل فرجهم والعن عدوّهم”.. برّأ الله -جلّ وعلا- أهل بيت نبيّه الأطهار الأبرار من هذا الدّجل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!