اختتام موسم جامعي استثنائي في انتظار استكمال الرهانات

اختتمت السنة الجامعية 2022-2023 منذ أيام في أغلب المؤسسات الجامعية، وتميزت بكونها سنة استثنائية لم يشهدها قطاع التعليم العالي منذ سنوات، إذ رفع من خلالها القطاع سقف الطموح عاليا للخروج من الجامعة التقليدية إلى جامعة مساهمة في التنمية المحلية.
فبعد الخروج من الوضع الاستثنائي الذي خلفته جائحة كورونا على مدار سنتين، بدأت بوادر الإصلاحات ومعالمها تتجسد في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي الذي منحه رئيس الجمهورية أولوية كبرى وراهن عليه في مرحلة البناء والإقلاع الاقتصادي، ليباشر وزير التعليم العالي والبحث العلمي كمال بداري ورشات الإصلاح، والتي تجسدت في أول قرار يخص “صفر ورقة”، والذي كان بمثابة الخطوة الأولى لعالم الرقمنة التي ستصبح واقعا مع الدخول الجامعي المقبل، بعد ما هيأت لها الوزارة بسواعد شبابها من المختصين الظروف والمناخ الملائم، إذ تم استحداث ولأول مرة في تاريخ الجامعة الجزائرية 46 منصة رقمية موزعة على النشاطات التعليمية والبحثية والخدماتية لقطاع التعليم العالي بالجزائر.

مخطط بـ12 رهانا و7 استراتيجيات
ولم تكن المنصات الرقمية المستحدثة لترى النور من دون أن تكون هناك رؤية استراتيجية محكمة وواضحة للنهوض بقطاع التعليم العالي، الذي يضم حوالي مليون و700 ألف طالب وأكثر من 63 ألف أستاذ والآلاف من العمال والإطارات، إذ عملت الوزارة على استحداث مخطط رئيسي للقطاع مبني على 12 رهانا و7 برامج استراتيجية، والذي بلغت نسبة الإنجاز فيه 80 بالمائة، ولا يزال العمل مستمرا لتجسيده بشكل كامل مع الدخول المقبل، والذي سيكون رقميا بامتياز وفقا لتصريحات وزير القطاع قبيل انطلاق التسجيلات الخاصة بالناجحين الجدد في البكالوريا والتي ستتم حصريا عبر الخط من بدايتها إلى نهايتها.
وبالموازاة مع مشروع الرقمنة الذي يعول عليه وزير التعليم العالي لعصرنة الجامعة الجزائرية وحتى إصلاح قطاع الخدمات الجامعية والوصول لمصاف الجامعات العالمية، فالرهان الاقتصادي للجامعة وتكييفها مع متطلبات سوق الشغل بات حقيقة وواقعا ملموسا وليس مجرد شعارات رنانة وجوفاء، وهو ما تجسد في مشروع مذكرة تخرج مؤسسة ناشئة أو براءة اختراع، والذي تكلل بتخرج آلاف الطلبة في جميع التخصصات بمشاريع اقتصادية بناءة ستتجسد ميدانيا مع مطلع شهر سبتمبر، وهو القرار الذي غيرَ من معادلة الجامعة المانحة لشهادات التخرج بوسم “البطالة” إلى الجامعة الخالقة للثروة، التي يمكن للطلبة فيها أن يحولوا أفكارهم وإبداعاتهم إلى مشاريع منتجة .

القرار 1275.. نقطة تحول في الجامعة الجزائرية
ولأن القرار وحده لا يكفي للتغيير ولا الإصلاح ما لم تتبعه خطوات ميدانية وإرادة سياسية، وهو ما تجسد في الخرجات الميدانية والخطوات التي باشرها وزير التعليم العالي ليصل الحلم إلى الواقع، والبداية كانت بعقد اتفاقية مع وزارة المعرفة والمؤسسات الناشئة للعمل سويا للترويج لمشروع مذكرة مؤسسة ناشئة الذي استقطب أكثر من 10 آلاف فكرة منذ الإعلان عنه، لتصل 7 آلاف منها لمرحلة المناقشة بفضل تضافر الجهود والإمكانات التي سخرها القطاع لكل الجامعات للانخراط في القرار رقم 1275، لاسيما بعد ما تم إنشاء لجنة وطنية لمتابعة الابتكار وحاضنات الأعمال الجامعية لتتولى المرافقة والتوجيه.

مدينة تكنولوجية بمقاييس عالمية في قسنطينة
وتواصلت الإصلاحات والمشاريع الرامية لإشراك الجامعة في التنمية المحلية والاقتصادية هذه السنة، والتي برزت معالمها من خلال تخصيص أزيد من 400 فضاء لتوطين المؤسسات الناشئة مجانا لرواد الأعمال المبتكرين من الطلبة والباحثين، وهذا بعد تأسيس “سيليكون فالي الجزائر” أو “المدينة التكنولوجية هضبة قسنطينة” وهي الأولى من نوعها في الجامعة، وتقدم للطلبة وحتى الباحثين فضاء مميزا للابتكار والمرافقة لإخراج مشاريعهم إلى النور، وتتربع هذه الهضبة على مساحة تقدر بـ180 هكتار، كما تتوفر على حوالي 600 مقر لإيواء المؤسسات الناشئة وحاضنات أعمال ودار للذكاء الاصطناعي ومخبر جهوي ضخم للتصنيع.

مجلس للذكاء الاصطناعي بخبراء جزائريين
ولم تكن الجامعة الجزائرية بعيدة عن التغيرات والتطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم، وهو ما حرص عليه الوزير بداري من خلال تعزيز تخصص الذكاء الاصطناعي، حيث شهد الموسم الجامعي 2022- 2023 فعاليات سنة الذكاء الاصطناعي مع إدخال هذا التخصص بداية من الموسم الجامعي المقبل في المنظومة التعليمية، والذي سبقته خطوة تنصيب المجلس العلمي للذكاء الاصطناعي في الـ26 جوان 2023 والذي يضم المجلس خيرة علماء الجزائر من داخل وخارج الوطن، وهو ما يمثل إضافة كبيرة وحقيقية لقطاع التعليم العالي للولوج بسلاسة للذكاء الاصطناعي، واستخدامه بما ينفع باقي القطاعات الاقتصادية، ولم يتوقف الأمر عند المجلس فقط، بل بادرت الوزارة إلى تنصيب 17 دارا للذكاء الاصطناعي على مستوى مختلف الجامعات الجزائرية من أجل نشر ثقافة الذكاء الاصطناعي ومعالجة المعلومات الحديثة الخاصة به .
وفي سياق ذي صلة، وتنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية لربط الجامعة بالمحيط الاقتصادي والاستفادة من خبرات الكفاءات الشابة، شهدت الجامعات الجزائرية إنشاء مكاتب دراسات في عدة مدارس عليا وبهذا تكون الجامعة الجزائرية قد قطعت خطوة ملموسة أخرى لتجسيد الانتقال إلى نمط تسيير جديد من الجيل الثالث الذي يفرض على قطاع التعليم العالي مواكبة الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لمحيطه.

إعادة بعث اتفاقيات التوأمة مع جامعات مرموقة
وعملت الوزارة خلال هذه السنة على تفعيل وإعادة بعث اتفاقيات التوأمة الفعالة للتبادل العلمي بين الجامعات الجزائرية والأجنبية، مع التركيز على التخصصات ذات الأهمية الكبرى، إذ شهد القطاع عقد اتفاقيات توأمة وتبادل علمي مع جامعات أمريكية وأخرى في قطر وحتى في الإمارات العربية المتحدة وتفعيل التبادل الدولي مع عديد الجامعات الكبرى، كما وضعت الوزارة أولوية لإعادة تصنيف ومرئية الجامعات الجزائرية من خلال تنصيب لجنة خاصة تعمل على هذا الملف.
وتعد سنة 2022-2023 استثنائية بالنظر للقرارات المتخذة من قبل وزير القطاع لتعزيز اللغة الانجليزية للتدريس بها بداية من الموسم الجامعي المقبل، إذ باشرت الوزارة تكوين الأساتذة والدكاترة من خلال التسجيل في ليسانس اللغة الإنجليزية أو التكوين في المراكز المكثفة للغات، وحتى التكوين عبر منصة التعليم عن بعد التي أطلقتها الوزارة بإمكانات تقنية متطورة، حيث تعول الوزارة على اللغة الإنجليزية من أجل تعزيز مرئية الجامعة الجزائرية وإعادة تصنيفها، بالإضافة إلى كون اللغة الإنجليزية هي لغة النشر الأولى عالميا بالنسبة للبحوث والمقالات.
ولا تزال الإصلاحات مستمرة والتحديات كبيرة في القطاع، بعد ما بدأت بوادرها ومعالمها تتضح خلال الموسم الجامعي 2022-2023 والذي شهد إطلاق ورشات عصرنة الجامعة الجزائرية وإصلاح نظام أل أم دي الذي تعالت الأصوات لمراجعته منذ سنوات، وهذا في انتظار نتائج الجلسات والورشات الخاصة بأكبر إصلاح يمس قطاع التعليم العالي والذي ينتظره الكثيرون.