جواهر
نساء "يتزوّجن" الشهرية ورجال يفضلون "الحرام"

ارتفاع العنوسة والعزوبية وسط الجزائريين بـ12 ألف حالة سنويا

الشروق أونلاين
  • 21187
  • 59
ح.م

غلاء المعيشة، أزمة السكن، خروج المرأة للعمل، الطلاق والخلع، العنف الذكوري والسحر أسباب يراها الكثير من المختصين، أنها تجمعت ورسخت في المجتمع الجزائري فأدت إلى العزوف عن الزواج.. وأخلطت حسبهم أوراق الأسرة الجزائرية، وخدشت بمخالبها وجه المجتمع فشوّهت النسيج الطبيعي له.. رجال ونساء تجاوزوا في الكثير من الأحيان سن الـ40سنة، ولم يتزوجوا وظلوا في حالة شدّ ومدّ بين الرغبة والرهبة فتعقدت حالتهم النفسية.

كشف الديوان الوطني للإحصاء، أن معدل الزواج في الجزائر لسنة 2016 تقلّص إلى 12 ألف حالة مقارنة بـ2015، ما يعادل انخفاض بنسبة تفوق 3 من المائة، وتراجع الإقبال على الزواج عموما إلى 9 من المائة. وحسب آخر معطيات الديوان فإن معدل سنّ الزواج عند الرجال قفز إلى 33 سنة ومعدل سنّ الزواج عند النساء أصبح 29سنة.

ودقّ مختصون في علم الاجتماع وعلم النفس والجمعيات المهتمة بتنظيم الأسرة ناقوس الخطر، حول ظاهرة عزوف الجزائريين رجالا ونساء عن الزواج، وانتشار ما يسمى بـ”فوبيا” الزواج، وهو مرض نفسي جاء حسب الدكتور محمد حامق، أستاذ علم النفس في جامعة تيارت، نتيجة تراكم المشاكل المادية والتقائها بأسباب معنوية منها انتشار الخلع والطلاق والخيانة الزوجية.

ودعا المختصون وممثلو المجتمع المدني، إلى معالجة قضية انتشار ظاهرة العزوف عن الزواج من خلال تسليط الضوء على جوانب كثيرة بات الفرد الجزائري يتخبط فيها.

انتشار فوبيا الزواج.. ورجال يشطبون العلاقات الشرعية من حياتهم!

أكد الدكتور محمد حامق، للشروق، أن مكتبه في ولاية تيارت، يستقبل نساء ورجالا يعانون ما يسمى “فوبيا الزواج”، وإن تعددت الأسباب، إلا أن حسبه، الجانب النفسي جعل هؤلاء يرون الزواج جحيما وتجربة قد تخلف لهم صدمة أو تدخلهم في مسؤوليات هم في غنى عنها.

أستاذات جامعيات، طبيبات، ماكثات في البيت، تعدى سنهن 40 سنة ولكنهن يرفضن الزواج من جهة، ويبحثن عن العلاج النفسي للتخلص من ثقل نظرة المجتمع القاسية واللوم والعتاب من محيط العائلة.

قال حامق، إن إحدى زبوناته وهي أستاذة جامعية وباحثة، بعد أن رفضت الزواج بهدف متابعة دراستها، وعند بلوغها سن 45سنة، بدأت تشعر بنوع من الندم وتولد لديها صراع داخلي أو حالة من المدّ والجزر، بين رفضها للزواج ورغبتها في إسكات المجتمع، وأدى ذلك إلى حالة نفسية متأزمة.

وشابة عمرها 38 سنة من ولاية تيسمسيلت، رفضت الزواج لأنها تعاني من فوبيا الارتباط بالطرف الآخر، حيث عاشت حياتها تحت السيطرة والعنف، وحسب حامق، فإن والدها كان شخصا قاسيا حوّل الجو الأسري إلى جحيم، وقد خلق في ابنته، عقدة وكرها للرجال جعلها ترفض رفضا قاطعا الزواج.

عيّنات من الرجال، يعانون هم أيضا فوبيا الزواج، نتيجة لأسباب مادية ومعنوية، وقال الدكتور محمد حامق، في هذا الصدد، أن بعض زبائنه الذين يعانون هذه الحالة النفسية، فقدوا ثقة تامة في النساء أو أنهم يرون في الزواج مسؤولية لا يمكن أن يتحمّلونها.

وأشار إلى أن العلاقات الجنسية غير شرعية، ساعدت في إشباع الرغبات عند الرجال وبالتالي تخليهم عن العلاقة الرسمية كمسؤولية ثقيلة، كما أنها أفقدت الثقة في الطرف الآخر، مضيفا إلى أن هناك نساء معنفات جنسيا أو تم اغتصابهن أو لديهن علاقات جنسية، تولدت لديهن حالة نفسية أفقدت رغبتهن في الزواج.

إرهاصات يعيشها الجزائري.. والمادة والفردانية سمتا المجتمع الجديد

أسباب كثيرة أصبحت تعيق العلاقات الرسمية وأدت إلى انتشار ظاهرة العزوف عن الزواج، يراها المختصون، أنها جاءت نتيجة لعدة مستجدات ويلخصها المختص في علم الاجتماع الدكتور حسين آيت عيسي، أستاذ بجامعة تيبازة، في أزمة السكن وتدني الدخل وخروج المرأة للعمل واهتمامها بالدراسة، والتكاليف اليومية وغلاء المهور.

ويؤكدها الدكتور محمد حامق، المختص في علم النفس، والذي يقول إن الشباب الجزائري يعيش إرهاصات من مختلف الجوانب، فهو يعاني من صعوبة في الحصول على السكن في وقت باتت الزوجة تشترط منزلا مستقلا، حيث أصبح الزواج مرهونا بالسكن.

ويرى أن البطالة باتت تمس شريحة واسعة من الشباب خاصة الذكور، وفي حال توفر منصب عمل فإن الراتب لا يكفي لتأسيس أسرة ورعاية أطفال، وفي مقابل ذلك ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.

وأوضح، الدكتور محمد حامق، أستاذ علم النفس في جامعة تيارت، أن العادات والتقاليد والموروث الثقافي لبعض المناطق الجزائرية، أرهقت الشباب الجزائري، وجعلت من المهور حجرة عثر أمام الزواج.   

ارتفاع قضايا الخلع والطلاق خوّف الجزائريين من الزواج

68 ألف حالة طلاق خلال 2017، حسب ما أكده وزير العدل مؤخرا، رقم مخيف، وهي حالة انعكست سلبا على نظرة الجزائريين للزواج، حيث قال الشيخ حجيمي جلول، المنسق الوطني لموظفي الشؤون الدينية والأوقاف، إن الخلع والطلاق وحق الزوجة في السكن، جعلت الشباب يهابون الزواج، ويتخوفون من المستقبل، مضيفا أن المساجد تستقبل مصلين غير متزوجين، يشتكون للإمام تخوفهم من الارتباط وفتح أسرة، حيث أثرت فيهم قضايا الخلع خاصة.

وحسب الشيخ حجيمي، فإن العزاب يعانون اليوم من حالة إرهاب نتيجة انتشار قضايا الطلاق والخلع، ويرون في الزواج مستقبلا غير مضمون وقد تكون نتيجته، التخلي عن السكن للزوجة التي لها أبناء.

في السياق، أكد المحامي إبراهيم بهلولي، أستاذ في كلية الحقوق ببن عكنون، أن قضايا الطلاق في المحاكم تتعلق في الغالب بحديثي الزواج، وهو الأمر الذي جعل كل من يحيطون بالمطلقين، سواء من أفراد العائلة أو زملاء العمل يتأثرون نفسيا، بحالتهم، وينظرون إلى الزواج العصري على أنه علاقة فاشلة، وغير مضمونة.

وقال بهلولي إن الإنسان ابن عصره أكثر من أنه ابن أبيه، ويقصد أن صورة المجتمع الجزائري ترسم في ذهنية الجزائريين، وتنعكس في سلوكياتهم، مضيفا أن حالات الطلاق الرهيبة في المحاكم قلّلت من قداسة الزواج.

وانعكس ذلك، حسبه، على جعل العلاقة الشرعية مجرد ارتباط للتباهي ولتحقيق الجانب المادي.

الاستقلالية المالية وعقدة العنف الذكوري.. وتراجع رمزية الزواج عند المرأة

يفيد الدكتور حسين آيت عيسي، المختص في علم الاجتماع، أن رمزية الزواج تراجعت بفعل ظهور أولويات أخرى خاصة عند النساء، كخروجهن للعمل والاهتمام بالدراسات العليا، موضحا أن القيم التي تقوم عليها الأسرة اليوم تختلف عن قيم المجتمع حيث تقوم الأسرة على الحياة الجماعية بينما يعتمد المجتمع على الماديات والفردانية ما أنتج وتيرة قيم متناقضة مع ما تتطلبه الأسرة.

من جهته، أكد الدكتور محمد حامق، أن استقلال المرأة ماليا، جعلها مسؤولة في الكثير من الأحيان على إخوتها ووالديها، وترفض الزواج خوفا من ضياع عائلتها، وقال إن العنف الجسدي الذي تعانيه بعض النساء من طرف أفراد عائلتهن من الرجال، خلق لديهن فوبيا الزواج، وحسب عينات من فتيات عالجهن في عيادته، فإنهن يتخوفن من تجربة الزواج لأنهن تعرضن للعنف الأبوي ما أعطى لهن صورة سلبية عن الرجل ارتسمت في لا وعيهن، حيث يعشن الرغبة والجموح في آن واحد.

السحر .. الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها!

أكد الشيخ حجيمي، أن السحر ظاهرة حقيقية موجودة في المجتمع الجزائري، وقال إن الرجال والنساء الذين خضعوا للرقية الشرعية، تبين أنهم راحوا ضحية شعوذة أثرت على سلوكهم فلم يتزوجوا، مضيفا أن هذه الوقائع لا يمكن تجاهلها. وهذا أيضا ما قاله الدكتور محمد حامق، المختص في علم النفس، حيث وقف على حالات أشخاص مسحورين يهابون تجربة الزواج.

النظرة الذكورية حرمت نساء من خطبة فارس أحلامهن

وتطرح السيدة نفسية لحرش، رئيسة جمعية المرأة في اتصال، حلولا للحد من ظاهرة العزوف عن الزواج في الجزائر، حيث قالت إن الفكرة السائدة أن الرجل هو رجل مهما كانت عيوبه، وأن المرأة مهما بلغت من مستوى عليها أن تتزوج وفقط، جعلت نساء كثيرات يملكن مستوى ثقافيا يرفضن الزواج لأنهن لم يجدن أزواجا في مستواهن. وترى أن المرأة في المجتمعات العربية القديمة كانت تتقدم لخطبة الشاب الذي يعجبها خاصة من الناحية الأخلاقية دون أي عقدة وكان الأب في القديم يخطب لابنته، واليوم تغيّرت النظرة وأصبحت المرأة متهمة بقلة الحشمة في حال إبداء إعجابها برجل تراه مناسبا للزواج.

ورفضت نفيسة لحرش، فكرة أن خروج المرأة للعمل وراء تفشي ظاهرة عزوف الجنس اللطيف عن الزواج، مؤكدة أن نسبة 17 من المائة فقط من النساء يعملن، في حين أن أغلب اللواتي لديهن شهادات عليا ماكثات في البيت.

كما دعت رئيسة جمعية النساء في اتصال، إلى عدم النبش في ماضي المرأة ومحاسبتها عن ذلك من طرف الخطاب، وقال إن انعدام الثقة ساهم بشكل كبير في العزوف عن الزواج.

مقالات ذات صلة