الرأي

ارفعوا أيديكم عن الحجاب

حسين لقرع
  • 2978
  • 13

كان من المفترض أن لا تُطرح مسألة الحجاب في بلد مسلم تنصّ المادة الثانية من دستوره صراحة على أن “الإسلام دينُ الدولة”؛ إذ كان يجب أن يكون الالتزام بشتى أحكام الدين وأوامره ونواهيه، مسألة بديهية ومسلّماً بها، لا تتطلب أيّ نقاش أو جدل.

لكن الحاصل أن مثل هذه المسائل لاتزال تُطرح بعد أكثر من 14 قرناً من إقرار الخالق لها من فوق سبع سماوات، عوض أن تُطوى نهائياً وتتفرّغ الدولة والمجتمع لقضايا أهمّ ككيفية الخروج من دوامة التخلف، ومحاربة نهب المال العام، وتفشي الرشوة والتهريب، وشتى أشكال الفساد التي تنخر الدولة والمجتمع معاً، وتحقيق مقوّمات العيش الكريم لكل مواطن، وتكريس العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، وبناء اقتصادي قوي يُحدِث القطيعة مع الريع، ويعيد الاعتبار للعمل والإنتاج كمصدر وحيد للثروة، فضلاً عن كيفية تحقيق تغيير هادئ وسلس للحكم وإرساء ديمقراطية حقيقية قوامها تداول الحكمفهذه المسائل وغيرها أهمّ من إشغال الرأي العام بالحجاب الذي كان ينبغي أن يكون أمراً بديهياً في بلدٍ مسلم؛ فإذا كانت الفتاة تريد ارتداء الحجاب استجابة لأمر ربّها، فلماذا تريد بعض الإدارات المتغرّبة منعها من ذلك، وبأيّ حق؟ نريد أن نفهم فقط: كيف يمكن أن يعيق الخمار فتاة تشتغل في قطاع الجمارك كما يزعم بودربالة أو في الحماية المدنية، حيث يُفرض على الموظفة نزعُه قبل الدخول إلى مقرّ عملها؟ من أعطى الحق لهؤلاء ولغيرهم بالتمييز بين الجزائريات ومنع بعضهن من حقهن الدستوري والقانوني في العمل في هذه القطاعات وحصره على المتبرّجات؟

لو كانت الدولة تحترم الخُلق الإسلامي لشنت حملة ضد التبرّج والعري، وليس ضد الحجاب والفضيلة، لكنها تتحجّج بـاحترام الحريات الفرديةحينما يتعلق الأمر بالسفور، ولا ترى هذه الحريات حينما يتعلق بالحجاب.

منذ يومين فقط، افتخرت وسائلُ إعلام صهيونية بأن جامعةأريئيلبالضفة الغربية تقبل بوجود متحجّباتٍ في صفوفها، وتحدّثت عن المناخ المثالي للحرّيات الفردية في الجامعة، ومنها الحرية الدينية، كما أن الحجاب غير ممنوع في جلّ الدول الغربية، في حين لانزال نسمع بمنعه في بلدنا الإسلاميأليس هذا مدعاةً للعجب؟ إذا كنتم لا تريدون تطبيق الشريعة، فأين هو احترام الحريات الفردية كما تنصّ المبادئ العلمانية التي تتشدّقون بها؟

صحيحٌ، أن إدارة الجمارك قدجمّدتتعليمتها تحت الضغط، ولكن إدارة الحماية المدنية لم تتراجع، ولم يفعلها التلفزيون أيضاً بشأن المذيعات، والأمر نفسُه ينطبق على إداراتٍ أخرى عديدة.. آن الأوان ليتمّ احترام الحجاب في الجزائر بالقدر نفسه الذييُحتَرمفيه التبرّج ويُشجَّع.. لا يُعقل أن يواصل الغرب فتوحاتِه وثوراته التيكنولوجية ونبقى نحن ندور في حلقةٍ مفرغة، وتُضطهد مواطناتٌ ويُمنعن من حقهن في ارتداء الحجاب ونشغل الرأي العام بمناقشة البديهيات ونعطي انطباعاً قويا بأن هناك حرباً تُشنّ على العفة والفضيلة. هذا الأمر ينبغي وضع حدّ نهائي له والالتفات إلى التحديات الحقيقية التي تواجه الشعب، والأخطار التي تحدّق بالبلد من كل جانب، وما أكثرها.

مقالات ذات صلة