-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

استشهاد زيغود يوسف في الشعر العربي

عثمان سعدي
  • 29934
  • 0
استشهاد زيغود يوسف في الشعر العربي

قيلت القصائد الكثيرة في البطل زيغود يوسف (*)، لكن أروع ما قيل ما نظمه الشاعر السوري الكبير سليمان العيسى الذي قال سبعا وثلاثين قصيدة في الثورة صدرت في دواوين. ألهمني الله فجمعت كل الشعر الذي قيل في الثورة الجزائرية في سوريا عندما كنت سفيرا بدمشق بين 1974 و1977 فكانت الحصيلة 199 قصيدة قالها 64 شاعرا وشاعرة سوريون من عشرين مدينة وقرية سورية.

قبلها، عملتُ سفيرا في بغداد فجمعت كل ما قيل في الثورة من شعر في العراق وكانت الحصيلة 255 قصيدة قالها 107 شاعر وشاعرة من العراق، وهي مطبوعة في أربعة مجلدات، وهذا ردّ مفحم على غِربان الفرنكفونية الذين يروّجون بالفرنسية أن العرب لم يقدّموا شيئا للجزائر، فقد قدموا المال والسلاح وأحيانا الرجال لثورة أول نوفمبر فستة أطباء تخرّجوا في الجامعة السورية والتحقوا بالثورة، منهم الدكتور إبراهيم ماخوس الذي أنهى حياته في الجزائر وتوفي بها. العرب دعموا وغنّوا الثورة بقصائد خالدة، وأنا أعتز بما جمعتُ عن الثورة من شعر أكثر من اعتزازي كسفير.

تحرّى الشاعر السوري سليمان العيسي (**) عن ظروف استشهاد البطل في واد من وديان الجزائر المضرجة بالدماء، ووصف وصفا دقيقا معركة الاستشهاد فقال في قصيدة عنوانها   يوسف زيغود”: 

صَمتٌ على الوادي يروع الوادي (1)                                                            

وسحابة من لوعةٍ وحِدادِ  (2)   

أرسى على الهضَبات ريشُ نسورها 

وتمزقت من بعدِ طول جِلادِ  (3)                                                       

هدأ الوميض.. فلا أنينُ شظِيةٍ                                                            

يُصمي، ولا تكبيرةُ استشهادِ  (4)                                                        

(الحَفنة) المتشبّثون بحفنة

ضؤلت وهانت من لظىً، وعتادِ

ألقَوْا بوجه الموت آخرَ صفعةٍ 

  وتساقطوا تحت الجحيم العادي                                                                          

النار تأخذهم.. فسربُ رائحٌ

من باصقاتِ ردًى، وسِربٌ غادِ

وكتيبةٌ تنثال إثر كتيبةٍ

كثرت هناك كتائبُ الجلاّدِ

حشدَ الألوفَ.. يكاد يعتقد الحصى

والريحَ ثوارا.. وحَرج الوادي

حشدَ الألوفَ.. لقاءُ (سيِّدَ أحمدٍ)  (5)

رُعْبٌ يشلّ النبض في الأكباد

رعب يسمِّر بالمدرّعة الخُطى

فمدافع السفاح كالأوتاد

وتُجَنُّ من حنَقٍ، فتُمطر موتها  (6)

حينا بلا هدف، بغير رَشاد

وتلعلع النيران.. كل حنيَّـة

لهَبٌ إلى دمنا لهيفٌ صادِ  (7)

وتجيب من وكر النسور رصاصةٌ

لتُصِرَّ,, هذي تربتي وبلادي

لن يُسلمَ الوادي ثراه لغاصبٍ

إلا على جثث.. على أجسادِ

     *  *  *

صمتٌ على الوادي، كما جثم الرَّدى

فوق المقابر، جُلِّلت بالوادي

(الحفنة) المتشبّثون بصخرة

تلقَى الجحيمَ بإصْبِع وزِناد

صمتوا فلا تسري (لسيّدِ أحمدٍ)

بين الشِّعابِ رهيبةُ الإرعاد  (8)

سمراء.. يُرسلها هتافا ماردا

فتُفجر الإعصار في مُرادِ

صمتوا لقد ألقوا بآخر طلقةٍ

وتمزّقوا تكبيرةَ استشهاد

  *  *  *

الثائر المقْدودُ من نارِ (9)

أغفى على الغار

كخُمود  إعصارِ

كصباح نُوّارِ

ضُربت عليه ألف زوبعة

وسحابةٌ سوداء كالقار

الصامدُ المقدودُ من لهبٍ

الفارس العربيُّ

عرفته أرض المجد حَدَّادَا

في ركن حانوتِ

يحيا على الخَشِنيْنِ من ثوب ومن قوتِ

وسرى نداء الثأر رعّادَا

وأهابت الثورهْ

وتكلمت آلامنا غورًا وأَنجادَا

فإذا الكَميِ.. فِراشه صخرهْ

وإذا هو الثورهْ

سيسير مثل رفاقه الدَّرْبا

سيخوضها حربا

سيخُط قصة أرضه الحرّهْ

بالدمع.. بالدم

قطرةً قطرهْ

  *  *  *

وتوقّف (الزحفُ المبيد) سلاحُه وعتادهْ

وغُروره وعِناده

وتعثرت بالرعب غمغمة بصدر الطاغيّه

ـ أتراه ماتْ؟

ـ أترى جحافلنا أتين على حياةْ؟

ـ أخلا لنا الوادي، فما للموت فيه من أثرْ؟

ـ كم يستهين (المارقون) (10)

ـ بكل ما يُسْمى خطرْ

   *  *  *

وتردد (الزحفُ المُبيدْ) أيقْحمُ الصمتَ الرهيبا؟

أيجازف (البطل المغير)؟  (11)

فيهبط الوادي دبيبا؟

كم لقنته صخرةٌ ربضت على السفح العِبَرْ

كم يستهين المارقون بكل ما يُسمى خطر

  *  *  *

ومشى الدمار..

وشقّ عبْر الصمت وادينا الشهيدا

حذِرا وئيدا

أقْدِم..

سراياك المغيرة آمنهْ

أقدِمْ.. مرابضنا صخورٌ ساكنهْ

أقدِمْ على الجثث الصوامتِ..

أيها (الزحف المظفَّرْ)

أقدم (فسيّد أحمدٍ) جسدا كما تهوى

معفَّــرْ..

  *  *  *

صمتٌ على الوادي، يروع الوادي

وسحابة من لوعة وحِداد

أرسى على الهضبات ريش نسورها

وتمزقت من بعد طول جلاد,,

يا سَفْحَ يوسُفَ، يا خضيبَ كمينه

يا روعةَ الأجداد في الأحفاد

يا إِرْثَ موسى في النسور وعُقبةٍ  (12) (13)

والبحرُ حولك زورق ابن زِيّادِ  (14)

يا شمْخة التاريخ في أوراسنا

يا نبع ملحمتي بثغر الحادي

أتموتُ؟ تاريخ الرجولة فِرْيةٌ

كبرى إذن، ووضاءةُ لأمجادِ

أتموتُ؟ كل حَنِيَّةٍ بجزائري

ميلاد شعب رائعٍ

ميلادي..

ليلاحظ الشبابُ الجزائري أن الشاعر قال إن تاريخ ميلاده؛ أي ميلاد سليمان العيسى وكل عربي هو تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية، ويقول جزائري أي أنها جزائر كل عربي، لأن ثورة الجزائر جاءت بعد ست سنوات من هزيمة العرب في فلسطين سنة 1948 فأعادت الثقة للشعب العربي، فيسأل يوسف زيغود المسجّى جثمانه بالوادي قائلا:

أتموتُ؟ كل حَنِيَّةٍ بجزائري

ميلاد شعب رائعٍ

   ميلادي..

وليلاحظ القارئ أن الشاعر ذكر ثورة المليون. وتُرفع الآن أصوات غِربان اللوبي الفرنكفوني لتزعم أن الشهداء أقلّ بكثير من هذا الرقم.   

* فقرة: ليلاحظ الشبابُ الجزائري أن الشاعر قال إن تاريخ ميلاده؛ أي ميلاد سليمان العيسى وكل عربي هو تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية، ويقول جزائري أي أنها جزائر كل عربي، لأن ثورة الجزائر جاءت بعد ست سنوات من هزيمة العرب في فلسطين سنة 1948 فأعادت الثقة للشعب العربي.


هوامش:

* هو يوسف زيغود، وُلد في 18 / 02 / 1921 في قرية السمندو، توفي أبوه وتركه رضيعا فكفلته أمه وربته، انخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري وعمره سبع عشرة سنة، وصار مسؤول تنظيمه في قريته عام 1938. نظم بقريته خلايا الحزب السريّة عام 1948، عندما اكتشف التنظيم زج به في السجن عام 1950، ولما كانت مهنته حدادا فقد استغل قطعة حديد عثر عليها بالسجن وصنع منها مفتاح السجن، وفر منه هو ورفاقه. وظل مختفيا في الريف إلى أن قامت الثورة. من قادة الثورة الكبار، قاد الولاية الثانية بالشمال القسنطيني. نفذ أحداث 20 أوت 1955 التي نقلت الثورة إلى داخل المدن. استشهد في 23/9/ 1956 في معركة ضارية قرب بلدية سيدي مزغيش بولاية سكيكدة.

** القصيدة مستمدة من كتاب (الثورة الجزائرية في الشعر السوري لعثمان سعدي) ج 2 صفحة 138، طبع وزارة المجاهدين سنة 2005 الجزائر. وقد نشرت سنة 2014 وزارة الثقافة ثلاثة مجلّدات تحت عنوان (الثورة الجزائرية في الشعر العربي ـ العراق ـ سوريا ـ السودان)


شرح الكلمات:

(1) يرورع: يُخيف (2) الحِداد: الحزن العميق (3) الجِلاد: القِتال (4) يُصمي: يقتل

(5) سيد أحمد: هو اللقب الذي عُرف به القائد الثائر يوسف زيغود بين رفاقه المجاهدين

(6) حَنق: غيض وغضب (7) حَنية: منعطف في الطريق.  صاد: عطشان

(8) الشِّعابُ: مسارب المياه بالجبال (9)  المقدود: المنحوت، المفصَّل

(10) المارقون: قطاع الطرق، هي الأسماء التي تطلقها القوات الاستعمارية على الثوار

(11)  قائد الحملة الفرنسية

(12)  موسى بن نصير (640هـ 716م) فاتح المغرب الأقصى وفاتح الأندلس مع طارق بن زياد

(13) عقبة بن نافع: مثبّت فتح المغرب العربي. مؤسس مدينة القيروان، (670 م) استشهد بالمكان المعروف بـ”تهوده” بالقطر الجزائري الذي صار يحمل اسمه وبه ضريحه.

(14) هو طارق بن زياد فاتح الأندلس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • الورثلاني

    هذا ردّ مفحم على غِربان الفرنكفونية الذين يروّجون بالفرنسية أن العرب لم يقدّموا شيئا للجزائر!!!
    لا ارى ان احدا ادعى ان اخواننا العرب لم يعينونا ايام الثورة التحريرية. يا استاذ سعدي ان كنت تعرف جزائريا يقول ذلك فعليك بكشف اسمه لنعرفه فنعيده الى جادة الصواب و نجبره على الاستغفار.

  • رشيد لكحل

    اولامن الاوراس الاشم اشكر الاستاد والمجاهد عثمان سعدى على هذا المجلد الدى ضم قصائد لاخواننا العرب على ثورتنا المباركة وشهدائنا الابرار.واقول لمن يقلل من شان الشعر فى الهاب حماس الشعب سواء فى معركة التحرير اومعركة البناء والتشببد ان هذا خطا فادح. ان الذين يؤولون الايات الفرءانية حسب هواهم فهذا حرام. لقد كان الشعراء ابان الثورة التحربربة بمثابة وسائل الاعلام التى تشييد بعظمة كفاحنا ضد المستدمر الفرنسى وبعدالة قضيتنا .امانحن اليوم واوجه كلامى لصاحب التعليق الاول ان الشعر لايعرقلك عن التقدم الصناعى

  • a.h

    نعم انت السفير.

  • محفوظ

    نشكر الأخ المجاهد عثمان سعدي على جهاده الباسل و صموده في وجه الإنتهازين...ونحيه على فطنته في جمع هذا التراث الشعري الذي سطره الإخوة مشكورين في كل من سوريا و العراق و السودان.......

  • salim b

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ
    أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ
    وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ

  • نورالدين الجزائري

    يعجبه الأمر فليبارزني ! فكانت جملته هذه : شهيدة عليه في الدنيا يُلقب بها و يوم القيامة ينادى بها ! . مثل الآية : { فأكتبنا مع الشاهدين } 53 آل عمران هم يتمنون أن يكونوا شهداء على الحق و الكلام على لسانهم . و هم أحياء يدعون . و لكن لا ننسى أن الله تعالى قال عن المتوفين من عباده { و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء ..} 169 آل عمران .
    هذا مجرد خاطرة ببالي و أتمنى ليلة جميلة لأهل الأبيات و الأشعار و الشعراء الذين ينظمون ما تنثره الحياة و ينثرون ما تنظمه الحياة !

  • نورالدين الجزائري

    في كتابة الله تعالى و هو أبلغ بلاغة لم أجد أثر 1 لكلمة شهيد أنها أطلقت على الأموات ؟! و لكم أن تبحثوا في أكثر من 200 موقع ! { و الملائكة يشهدون } { استشهدوا شهدين من رجالكم } { أرسلناك شاهدا } { و يشهد الله } { و أشهد بأنا مسلمون } { و أشهدوا ذوي العدل منكم } ... و حتى الرسول عليه الصلاة لم يذكر متوفي الصحابة بالشهيد بل قال : قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار . أما حمزة سيّد الشهداء كلمة لقب بها عندما صفع أبى جهل عند باب الكعبة في عزة الإسلام و قليل أنصاره فكانت كلمته : أنا على دين محمد فمَن لم

  • نورالدين الجزائري

    عندما نتعارك مع الأخرين تتدفق منا الخطابة و عندما نتعارك مع أنفسنا يفيض الشعر منا !
    هناك أناس أرادوا أن يضحكوا علينا فقالوا : أمة في قرن أنتجت 3000 شاعر و لم تنتج عالم واحد ! ربما لا توجد لي الإجابة الصريحة لهذا السؤال الصريح لأن حالنا و واقعنا طريح لا يستطيع أن يديجيب على الصريح .. و لكن ما أردت و حاولت فهمه من كلمة نستعملها كالشعر في حياتنا و لم نعطي لها بال ألا و هي : إستشهد و شهيد . كلمة تطلق على الأحياء من الخلق لأنها مصدر : شَهَدَ رؤية العين في المادة أو رؤية القلب في الإيمان ، و قد بحثت

  • حميد

    كرهنا من الشعر