-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الجزائر‭ ‬بعيون‭ ‬الآخر

اطلبوا‭ ‬العربية‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬الصين

اطلبوا‭ ‬العربية‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬الصين

أتيح لي مطلع هذه السنة أن أتعرف في العاصمة الكويتية على المستعربة الصينية فريدة وانغ فوWang Fu. . كان ذلك خلال الندوة التي نظمتها مجلة “العربي” تحت مسمّى “العرب يتجهون شرقا”، والتي شاركت في فعالياتها نخبة من العلماء والمختصين، وكرّست لدراسة الأواصر العريقة بين العرب وبلدان الشرق الأقصى ووسط آسيا. وهذه الأواصر ممتدة في أعماق التاريخ، توثقت بفعل عوامل تاريخية وتجارية ودينية وثقافية. وفضلا عن ذلك، فإن الطرفين كليهما عانى من الاستعمار بشتى ألوانه فتغيّرت، كما قال الدكتور سليمان إبراهيم العسكري، “سياسات واقتصادات،‭ ‬وتبدلت‭ ‬لغات‭ ‬وأبجديات،‭ ‬وتحوّلت‭ ‬ممالك‭ ‬وامبراطوريات،‭ ‬وسادت‭ ‬وبادت‭ ‬حضارات،‮ ‬ولكن‭ ‬بقيت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تحمى،‭ ‬وظلت‭ ‬الأواصر‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬أمتن‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تنهار‮”‬‭.‬

  •  وقد استقطبت “المعجزة” الصينية وإمكانية استفادة العرب منها اهتمام الحضور. وكان لمداخلة فريدة وانغ فو “الإصدارات الآسيوية الثقافية باللغة العربية” أثر طيّب في النفوس. قبل اعتلالها المنصة بادرتها بالحديث معها بالانجليزية، فابتسمت ابتسامة عريضة، كما يفعل كل الصينيين، قائلة “خلّينا نتحدث بالعربية فهي لغة جميلة”. أعترف أن الدهشة عقدت لساني، لكن هذه الدهشة سرعان ما زالت لما عرفت أن وانغ فو تتولى رئاسة تحرير مجلة “الصين اليوم” بالعربية منذ سنة1983، وهي أيضا عضو مجلس إدارة الجمعية الصينية لبحوث الأدب العربي. وإلى جانب الإشراف على هذه المجلة اختصت وانغ فو في حقل الدراسات الثقافية العربية، وأصدرت بحثا بعنوان “المعلقات- زهرة يانعة في حديقة الأدب العربي” و”القيمة الأدبية للقرآن الكريم” و”نجيب محفوظ في الشاشة الكبيرة” و”اللغة العربية في العيون الصينية”. كما أنجزت نحو 80‭ ‬ترجمة‭ ‬مثل‭ ‬‮”‬عودة‭ ‬الروح‮”‬‭ ‬لتوفيق‭ ‬الحكيم،‭ ‬و‮”‬سبعون‮”‬‭ ‬لميخائيل‭ ‬نعيمة،‭ ‬و‮”‬حي‭ ‬ابن‭ ‬يقظان‮”‬‭ ‬لإبن‭ ‬طفيل‭ ‬و‮”‬تاريخ‭ ‬اليهود‭ ‬العام‮”‬‭ ‬لصابر‭ ‬وحي،‭ ‬وديوان‭ ‬‮”‬إليك‭ ‬يا‭ ‬ولدي‮”‬‭ ‬لسعاد‭ ‬الصباح‭ ‬الخ‭…‬
      تحدثت طويلا معها عن العلاقات التاريخية بين الصين والعرب. وكانت رؤيتها تتمثل في أن الفهم هو أساس هذه العلاقة، وأن التواصل هو أساس هذا الفهم. الفهم والتواصل بين الصين والعرب تحققا بفضل طريق الحرير، وهو أقدم رابط بين العرب والصينيين. في سنة 651 قدم أول مبعوث عربي إلى الصين وزار مدينة تشانغان عاصمة أسرة تانغ، ومنذ ذلك الوقت بدأ، كما تقول وانغ فو، العرب والصينيون تبادلاتهم السلمية الودية. وفي 1346 أتى إلى الصين الرحالة العربي المشهور ابن بطوطة وجابها شمالا وجنوبا، حيث زار بعض المدن الساحلية مثل تشيوانتشو (مدينة الزيتون) وقوانغنتشو (كانتون) وهانغتشو. وبعد عودته إلى المغرب أصدر ملك بلاده أمرا بتسجيل رحلته. وتحوّلت رحلة ابن بطوطة إلى أهم مرجع لدراسة العلاقات الصينية العربية في عهدي أسرتي سونغ ويوان. وفي القرن الرابع عشر قام البحار الصيني المسلم تشنغ خي بسبع رحلات بحرية عابرا المحيط الهندي، ووصل إلى بعض الدول العربية والإفريقية. واليوم تولي الحكومة الصينية اهتماما كبيرا لتعليم اللغة العربية، حيث ارتفع عدد الجامعات التي تدرس اللغة العربية وآدابها من جامعة واحدة في الخمسينيات إلى نحو 30 جامعة ومعهدا ومدرسة. وربما سيأتي‭ ‬وقت‭ ‬سنطلب‭ ‬فيه‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أوصانا‭ ‬الرسول‭ -‬صلى‮ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‭- ‬بطلب‭ ‬العلم‭ ‬فيها‭.‬
      المستعربة فريدة وانغ فو بدأت مؤخرا تهتم بالجزائر ضمن اهتمامها بالثقافة العربية المتميزة في رأيها “بقيم بالصدق والخير والجمال وتجميل قلوب الناس وإقامة العلاقات الطيبة بين الناس وتحسين أسلوب حياتهم وسلوكياتهم”. قبل عامين زارت وانغ فو الجزائر، وأعجبت بطبيعتها‭ ‬الخلابة‭ ‬وطيبة‭ ‬شعبها‭. ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬بصدد‭ ‬إعداد‭ ‬انطولوجيا‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬النسائي‭ ‬الجزائري‭. ‬وهي‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬جهدها‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تعزيز‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬الصيني‭ ‬والجزائري‭. ‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • بدون اسم

    اشكرك على الموضوع اود ان اطرح الى معدي صفحة اقلام الخميس عن اختفاء الد كتور فيصل القاسم ادا احترمتم سئالي ارجو الا جابة وشكرا قارئ وفى

  • sadek

    اهلا بك أستاذ شكرا على هذا المقال والذي حاولت من خالاله التذكير بقيمة اللغة العربية و الإعتزاز بها و الدفاع عنها من خلال العمل و الإجتهاد و الإبداع من أجل تجسيد القيم الإنسانية و الإسلامية. صدق رسول الله عليه الصلاة و السلام أطلبوا العلم ولو في الصين. ياليت لنا صدَّقنا و فقهنا وعملنا بهذا الحديث الشريف ولم ننتظر الغرب ثم التجار حَاشَى الصادِقِين يخِبرُوننا عن الصين.

  • Daoudaoua

    شكرا على هذا النص الرائع فأقلام الشروق لا ينفد حبرها ولو انتهت الأوراق
    .............. تعزيز التواصل بين الشعبين الصيني والجزائري ....................

  • محمود

    سعيد بعودتك للكتابة استاذ.