اعتراف!!
دعا رئيس الفرنسيين، حبيب بعض الجزائريين، فرانسوا هولند ممثلي سبعة وعشرين بلدا، تسعة عشر منهم أفارقة، من بينهم عبد المالك سلال، دعاهم لمشاركة فرنسا في احتفالها المخلد للذكرى السبعين لنزول قوات الحلفاء في جنوب فرنسا لتحريرها من المحتل الألماني الذي أذاق الفرنسيين في أربع سنين ما أذاقته هي لآبائنا وأجدادنا في يوم أو بعض يوم من العذاب النكر، والأذى الشديد، ولهذا فلا يمكن مقارنة معاملة الألمان النازيين للفرنسيين بمعاملة هؤلاء للجزائريين.
لقد استعملت فعل “دعا” من باب “التـأدب” ولو كان مصطنعا، وإلا فإن “ممثلي” البلدان الإفريقية أُمروا بتلك المشاركة، فقالوا بلسان الحال والمقال: سمعا وطاعة، ولو لم تدعنا فرنسا لتلك المشاركة لجئناها من غير دعوة، فهي أحب إلينا من أنفسنا.
لقد”اعترف” فرنسوا هولند في الكلمة التي ألقاها بتلك المناسبة لأولئك “الممثلين” بما قدمه محاربو تلك البلدان من فضل لفرنسا التي عجز أبناؤها عن تحريرها، ولولا أولئك المحاربون لاستمر احتلال الألمان لفرنسا مدة أطول.
إن فرنسا التي جاء رئيسها لـ”يضحك” على”ممثلي” تلك البلدان بذلك الاعتراف بما قدمه أولائك المحاربون في سبيل تحرير فرنسا هي تلك قتلت بعد أقل من سنة من ذلك النزول، وفي بضعة أيام خمسة وأربعين ألف إنسان في الجزائر وحدها، وأحرقت وهدمت عشرات، بل مئات المنازل والمداشر، مما يدل على الخلق الفرنسي”النبيل”، الذي يقابل الحسنة بالسيئة، والكرم باللؤم، والخير بالشر.
يقول الفرنسيون إن ألمانيا “نازية” و”عنصرية”، وما كانت ألمانيا عنصرية إلا لماّ أذلت “الكبرياء” الفرنسي، ووضعت أنف فرنسا في الرغام وإلا فإن عنصرية فرنسا ألعن وأقذر.. ومن كان في هذا الكلام يمتري فليسمع ما قاله پيير بورد، الوالي العام الفرنسي في الجزائر، “إن قطرة من دم فرنسي لا تعد لها دماء جميع الأهالي”… فهل سمع العالم ألمانيًا يقول مثل هذا القول عن الفرنسيين؟.
إنني أكثر احتراما لألمانيا، لأنها كانت تعتمد في حروبها على أبنائها لا على أبناء المستعمرات، وكانت تعتمد على مواردها لا على موارد المستعمرات كما كانت تفعل فرنسا وانجلترا، اللتان يعود انتصارهما إلى أبناء إفريقيا وآسيا.
وإنني أشك في اعتراف فرنسا بفضلنا عليها، اعترافها وبمساهمتنا الكبرى في تحريرها، ولا يهمني ذلك الاعتراف، وإنما الذي يهمني هو أن أسلافي لم يستنجدوا بفرنسا، فيكونوا قد سجلوا أكبر عار علينا.
لو كانت فرنسا تحترم نفسها لما احتفلت بنصر لم يحققه أبناؤها، وإن العيب ليس في فرنسا، ولكنه فيمن أجاب دعوتها، ولبّى نداءها.