الرأي

اعترافٌ بطعم إنكار

عمار يزلي
  • 377
  • 2
أرشيف

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والتي يخشى إيمانويل ماكرون ومعه اليسار واليمين الوسط، من احتمال فوز اليمين المتطرِّف بزعامة مارين لوبين، ابنة أشهر زعيم يميني منذ انتفاضة “البوجاديين” (Les Poujadistes)، في الستينيات، والتي كان يترأسها “بيير بوجاد”، كتكتُّل يميني متكوِّن من الحرفيين والتجار والبرجوازية الصغيرة، ومنهم كان جون لوبين والد مارين. وللتذكير فقط، فإن هذه الحركة اليمينية سرعان من اختفت، بعد صراع وصم بالعنصرية والتطرُّف والرجعية من طرف اليسار خاصة، حتى أن كلمة “بوجادي”، صارت تُتداول عندنا في الجزائر، انطلاقا من النعوت التي كانت تُطلق على حركة بيير بوجاد، صارت تعني المتخلف والبدوي والضعيف في العمل…

اقتراب موعد الرئاسيات الفرنسية بعد أقلِّ من سنة ونصف، بدأ التحضير لها منذ الآن، ضمن الخطاب الشعبوي اليميني ويمين الوسط، برئاسة ماكرون. بدأ التحضير لفوز صعب على مارين لوبين، بأن أقدم على محاولة يائسة لسحب البساط من تحت أقدامها في قضية التشدُّد مع الإسلاميين الراديكاليين، مقتربا في ذلك من قاعدتها الانتخابية وشعاراتها ومطالبها وأجندتها المتمثلة في خطاب الكراهية ضد “الأغيار” والمسلمين بالأساس، وما ترسانة قوانين ماكرون، المكبِّلة للنشاط الجمعوي الإسلامي ودفاع الرئيس الفرنسي الشرس، عن “حرية التعبير” في التعدي على نبي الإسلام، إلا جزءٌ من هذا المنهج المؤسس، الذي يراهن عليه ماكرون مستقبلا، في امتصاص بعض أصوات اليمين المريب من خطاب “لوبين”، غير أن هذا الخطاب وهذه الإجراءات التقييدية لحرية التعبير والشعائر الدينية الإسلامية في فرنسا دون غيرها، من شأنها أن تسحب كثيرا من المؤيدين لماكرون في حملته الرئاسية السابقة، وتذهب هذه الأصوات الكثيرة والمستاءة من هذا التخندق الجديد لماكرون في خندق حرب الأعراق والديانات ضد المسلمين دون غيرهم. كثيرٌ من المسلمين، وأغلبهم الجزائريون، لن ينتخبوا ماكرون في هذا الظرف الذي أبان فيه عن ميله اليميني، وقد يتَّجهون في أغلب الأحوال إلى اليسار وعلى رأسه حزب ميلانشون. هذا التخوف، يقف حتما وراء محاولة مغازلة الأصوات الجزائرية في فرنسا عبر ملف الذاكرة.

الاعتراف المتأخر بجريمة تصفية المناضل الراحل علي بومنجل، يدخل ضمن هذه الإستراتيجية: الاعتراف بالتقطير بجرائم الاستعمار غير المعلنة والمنكرة، لكي يبدو الأمر كما لو أن الأمر فعلٌ معزول، مع أنها كانت سياسة دولة قائمة بذاتها: فكرا ومنهجا وعملا. التعذيب والقتل تحت التعذيب كان عملا ممنهجا، باعتراف عسكريين فرنسيين وعلى رأسهم السفاح بول أوساريس.. الذي اعترف بعظمة لسانه أنه كان وراء خنق المناضل الشهيد العربي بن مهيدي بيديه.

للتذكير، فإن سياسية الاعتراف قطرة قطرة لدى ماكرون بدأت منذ سنتين ونصف سنة، عندما اعترف بقتل فرنسا للمناضل الفرنسي موريس أودان، الذي كان يعمل لصالح ثورة التحرير. ولو فتحنا فقط باب قتلى فرنسا من الفرنسيين الجزائريين، لأعطينا أمثلة بالعشرات أبرزهم: فرنان إيفتون، موريس أودان، المرشح مايو… وغيرهم. ناهيك عن شهداء الزنازن والتعذيب ومجازر شعبية مدونة تاريخيا.

الاعتراف الأخير، ليس سوى قطرة من بحر، وليس سوى غبار في الأعين لكي تعمى عن الأدهى والأمرّ… كون الاعتراف يكون شاملا، مع الاعتذار.

مع ذلك، رُبَّ اعتراف منقوص، خيرٌ من إنكار منصوص. التوظيف السياسي الفرنسي له، واضحٌ لا غبار عليه: إنها سيَّاسة المقايضة: من جهة مغازلة ماكرون لقاعدة اليمين المتطرف بحملته على الإسلام والمسلمين، ومن جهةٍ أخرى يغازلهم باعتراف “شجاع”، لن يغير كثيرا من المعادلة الصعبة: جرائم الاستعمار التي لا تُمحى بالتقادم.

مقالات ذات صلة