اعطفوا على المسكين ساويريس
نجيب ساويريس يريد تعويضات من الجزائر. لكن احذروا: هذه ليست نكتة، ولا أستبعد أن يحصل على ذلك مادام وجد الفراغ في الجزائر .
نجيب ساويريس رجل جريء، وهو يعرف أن الجرأة خصلة تنفع في الجزائر. وقد تمكن صاحب شركة أوراسكوم سابقا ان يجمع ثروة هائلة في الجزائر، وهو اليوم يريد استكمالها بعملية أخيرة تجعل منه أكبر رجل استفاد من الجزائر في كل العصور. ولم لا يفعل ذلك، في بلد أصبح كل شيء مباح؟ لماذا لا يجرب الرجل حظه في بلد يمكن أن تجمع من المال ما لا يمكن أن يتخيله الإنسان مادام النظام عاجزا والمسؤولين فاشلين؟
وقد استطاع السيد نجيب ساويريس في ماض قريب، وفي ظرف قصير، أن يجمع ثروة هائلة وأن يصبح رجلا ذا نفوذ، وهو النفوذ الذي فتح له كل الأبواب. وقد جاء نجيب ساويريس إلى الجزائر في مرحلة كانت البلاد تريد أن تشجع الاستثمار، خاصة منه الأحنبي. وجاء بمبلغ 200 مليون دولار، استثمره في شركة هاتف نقال، واستفاد من تسهيلات لا يمكن لأي مستثمر أن يحلم بها، نذكر منها خمسة نقاط: لقد تلقت البنوك الجزائرية أوامر لتمويل مشاريع السيد ساويريس، بينما سمحت له السلطات الجزائرية ببيع خطوط هاتف لم تكن شغالة وقتها، بينما كانت شركة “موبيليس” في حالة تجميد حتى تسمح لشركة أواسكوم أن تنمو وتحقق أرباحا. وسمحت له السلطات المالية بتحويل الفوائد إلى الخارج دون مراقبة، كما تمكن من عدم دفع الضرائب، سواء بصفة قانونية لأن القانون يسمح بذلك، أو بطريقة غير قانونية حيث كشفت التحريات أن إدارة الضرائب كانت تغض البصر عن مستحقات أوراسكوم تجاهها.
ولم يكن بقدرة أي طرف أن يعارض، أو حتى ينتقد أوراسكوم في ذلك الوقت. واستطاع السيد ساويريس أن يدخل السوق الجزائرية ليشتري مصانع الإسمنت التي كان يتكفل ببيعها أغبياء، فاشتراها بأموال جزائرية وأعاد بيعها، محققا بذلك أرباحا هائلة. ومازالت الجزائر في انتظار شهادة شخصيات مثل أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم خلال تلك الفترة، ليشرحوا لنا، خلال حملتهم الانتخابية الحالية، لماذا سكتوا عن كل هذا؟
كيف دخلوا هذه المعركة ضد ساويريس بنفس الهياكل والرجال التي أثبتت عجزها التام في قضية “الخليفة”؟ ما يستحوش؟ ما يحشموش..
لماذا نعيد التذكير بكل هذه القضايا؟ لأن المسلسل مازال متواصلا. فقد تنازل السيد ساويريس عن أسهمه في شركة أوراسكوم لصالح شركة روسية، ليجد نفسه اليوم متحررا من الضغوط الجزائرية، فقال أنه سيقاضي الجزائر ويطلب تعويضات تبلغ خمسة مليارات دولار لأن الجزائر تكون قد حطمت أحلامه في بناء امبراطورية. وإذا أردنا أن نلخص كل هذا الكلام، فيمكن أن نقول أن الرجل جاء إلى الجزائر سنة 2001 بمائتي مليون دولار، وحقق أرباحا تبلغ حوالي نصف مليار دولار سنويا ابتداء من السنة الثالثة إلى سنة2011، كما حقق أرباحا هائلة في قضية مصانع الإسمنت، قبل أن يبيع أسهمه في في أورياسكوم بمبالغ خيالية. وهو اليوم يريد تعويضات…
هذا عن الجانب المالي، الذي يشكل معجزة اقتصادية. لكنه مقبول، حيث يمكن أن نقول أن السيد ساويريس رجل أعمال ماهر، “ضرب ضربته” وكفى. لكن ما لم يقال هو أن الرجل راوغ المؤسسات الجزائرية، وأهان هؤلاء وأولئك، كما أهان قوانين البلاد وكل القواعد التي من المفروض أن تحمي مصالح الجزائر. وأهان حكومة الجزائر، وظهر معه الفشل الصارخ لأولئك المسؤولين الذين من المفروض أن يتكفلوا بتسيير شؤون البلاد، حيث ظهروا على حقيقتهم، حقيقة تؤكد أنهم لا يصلحون ولا يعرفون كيف يتصرفون أمام قضية بهذا الحجم، هم الذين من المفروض أن يكتفوا بمنصب صغير في إدارة صغيرة.
ولكن هل الكلام عن عدم الكفاءة يكفي في مثل هذه القضية؟ أليس من الضروري أن نتساءل لماذا أراد هؤلاء مواجهة رجل بحجم نجيب ساويريس باستعمال هياكل هشة ومؤسسات ميتة ورجال أخفقوا وفشلوا بعد أن أكدوا أنهم ليسوا مؤهلين؟ كيف دخلوا هذه المعركة ضد ساويريس بنفس الهياكل والرجال التي أثبتت عجزها التام في قضية “الخليفة”؟ ما يستحوش؟ ما يحشموش؟ إن لم تكن لهم لا كفاءة ولا كرامة، لماذا يسمحون للآخرين أن يدوسوا كرامة الجزائر والجزائريين؟
إن هذا الوضع ليس نتيجة لعدم الكفاءة فقط. إنه خليط من اللامسؤولية والرشوة وعدم الكفاءة، أدى في آخر الأمر إلى إهانة الجزائريين بسبب أناس وضعوا أنفسهم تحت تصرف السيد ساويريس ليخدموه، فأهانوا أنفسهم وأهانوا الآخرين، بل وقمعوا حرية الجزائريين لتحقيق رغبات ساويريس، مثلما يشهد على ذلك أحد الصحفيين، الذي يقول أنه ذكر يوما شركة أوراسكوم في مقال، فإذا بالجريدة التي يكتب لها لا تنشر المقال، لكن الصحفي تلقى حق الرد من شركة أوراسكوم، بإمضاء قلم جزائري معروف.