-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اغتيال الرئيس محمد بوضياف فرضية ˜الفعل المعزول” لم تقنع الجزائريين

الشروق أونلاين
  • 20922
  • 1
اغتيال الرئيس محمد بوضياف فرضية ˜الفعل المعزول” لم تقنع الجزائريين

15 سنة مرت على اغتيال الرئيس محمد بوضياف خلال زيارة عمل له بعنابة 29 جوان 1992، لتعود ذكرى رحيل سي ˜الطيب الوطني” لتطرح مرة أخرى سؤالا ربما سيبقى أبديا، عن ظروف اغتياله، مدبريه، والمستفيدين منه، ولتظل فرضية الفعل المعزول تؤرق الملايين من الجزائريين، الذين كانوا شهودا لأول مرة في تاريخ الجزائر المعاصرة على تصفية جسدية لرئيس دولتهم أمام مرأى ومسمع الجميع.من الصعب على الكثيرين من الذين عايشوا حادثة الاغتيال تذكر كل تفاصيلها المفجعة بسبب تأثير الصدمة التي لايزال يعاني منها الكثير، وقد حاولنا أن نجمع شتات الذاكرة بعد عدة سنوات لنسترجع على مضض وبمرارة كرونولوجية الزيارة المشؤومة التي قام بها الرئيس محمد بوضياف لعناية، كما لسنحاول أن نجتهد بكل أمانة، ربما لا تخلو من الهفوات، لنتذكر الحادثة مثلما عايشنا جوانب منها، من موقع عملنا، مستعينين بشهادات من عايشوا جوانب أخرى.

عنابة يوم الأحد 28 جوان 1992
قبل مجيء الرئيس محمد بوضياف لعناية، بيوم واحد، تزيّنت المدينة كعادتها لاستقبال رئيس الدولة وكان الموعد مع بروتوكول رئاسة الجمهورية بفندق ˜الشرق” بوسط المدينة، أين سلمت للصحافيين بطاقات الاعتماد لتغطية الزيارة. كان الجو، رغم جمال الطقس، مشحونا بقلق غامض، غذته إشاعات سابقة بحدوث محاولة اعتداء على الرئيس بعين تموشنت، وعن وجود قنبلة عثر عليها بالمسجد الكبير للعاصمة أين صلى الرئيس صلاة عيد الأضحى قبل أسابيع خلت، وكان الحديث يدور في أوساط الصحافيين وحتى المواطنين عن التدابير المتخذة لتأمين الرئيس وحمايته من هجومات إرهابية، وهو مصدر الخطر الوحيد الذي كان يخشاه الجميع.

عنابة في 29 جوان 1992
كان الطقس جميلا وربيعيا، يوم الإثنين 29 جوان 1992، حيث أعلن للصحافيين رسميا عن قدوم الرئيس بوضياف إلى عنابة واطلعوا على برنامج الزيارة. كان البرنامج يتضمن عدة محطات للرئيس، فبعد زيارته لمعرض إبداعات الشباب ينظم بقصر الثقافة بوسط المدينة، يلقي الرئيس خطابا أمام إطارات من مختلف القطاعات، ليتنقل بعد ذلك إلى مركب الحجار أين كان ينوي ترأس تجمع يحضره العمال والنقابيون ليتحول بعد مأدبة الغذاء إلى المنطقة الصناعية بسكيكدة أين برمج نشاط مماثل.

حوالي الساعة التاسعة صباحا
في حدود الساعة التاسعة صباحا حطت الطائرة الرئاسية المقلة للرئيس محمد بوضياف بمطار ˜الملاحة الدولي” لعنابة أين كان في استقباله السيد أوصديق محمد لحسن والي الولاية والمسؤولون المحليون، ليتنقل بعدها إلى مقر ولاية عنابة أين نظم حفل استقبال على شرفه كان يرتدي بذلة فاتحة اللون، صافح الجميع بمن فيه الصحافيين الذين وقفوا ببهو الاستقبال للقائه ليدخل غرفة الاستقبال، ويتحادث مع مسؤولي الولاية. حينها حاول بعض الصحافيين طرح بعض الأسئلة على الرئيس، لكن جهاز الأمن والبروتوكول اعتذروا لهم لكون الرئيس لايزال متعبا من الرحلة. لم تستغرق استراحة الرئيس بمقر الولاية طويلا ليغادرها باتجاه قصر الثقافة والفنون القريب من مقر الولاية.

حوالي الساعة العاشرة
كان جهاز الأمن الرئاسي يحيط بالرئيس وفي مقدمتهم الرائدان الصادق وحمو “حرس الرئيس الشاذلي بن جديد سابقا”، في حين تكفلت عناصر أمن ولاية عنابة بتأمين المنطقة المحيطة بقصر الثقافة، حينها كان الحرس المقرب la Garde Rapprochee”” للرئيس، المشكل من فرقة التدخل الخاصة “G.I.S” بقيادة النقيب بن تركي، متواجدا مسبقا داخل أروقة قصر الثقافة أين نظم معرض لإبداعات الشباب. غصّ بهو قاعة قصر الثقافة بالشباب الذين توزعوا على عدة أجنحة لعرض اختراعاتهم وإبداعاتهم التقنية في شتى المجالات من الإلكترونيك إلى الميكانيكا. دخل الرئيس بوضياف القاعة وباشر تفقد أجنحة العرض رفقة والي الولاية، كان وجهه يشع أدبا وبشاشة لا يتردد في مصافحة يد تمتد إليه والاستماع إلى شروحات الشبان العارضين. كان يتوقف مطولا ليستمع لانشغالاتهم التي دارت في مجملها حول نقص اهتمام مؤسسات الدولة بإبداعاتهم واقتراحاتهم. وكان بوضياف يطمئنهم بنبرة الأب الحنون بأن البلاد في طريق الخروج من المحنة وأن المستقبل للشباب… وطالت زيارة الرئيس للمعرض حيث كادت تتجاوز الساعة من الزمن، مما أثار قلق حراسه الذين كانوا يشيرون إلى بعضهم البعض، حسب ملاحظة أحد الزملاء، بوجوب الإسراع لفتح الطريق للرئيس ليدخل القاعة أين كان ينتظره جمع غفير من الإطارات والمسؤولين للاستماع إلى خطابه.

في حدود الساعة الحادية عشرة
في الوقت الذي دخل فيه الرئيس قاعة المؤتمرات لقصر الثقافة، توجهت مجموعات كبيرة من رجال الدرك الوطني إلى مركب الحديد والصلب للحجار بضاحية المدينة، أين كانت التحضيرات جارية لتنصيب المنصة التي سيجلس عليها الرئيس لإلقاء خطاب أمام العمال والنقابيين، حيث أمّنت مصالح الدرك الوطني كل المنطقة وكان رجال من سلك الأمن يقومون ـ حسب شهود عيان ـ بتفتيش دقيق لكل شبر من المصنع تحسبا لأي طارئ.

بداية الخطاب
عند دخول الرئيس بوضياف القاعة نهض الجميع لتحيته بتصفيقات حارة وصعد الرئيس إلى المنصة المغطاة بقماش أخضر، وأخذ مكانه على يسار والي الولاية السيد أوصديق “المسؤول الوحيد الذي كان يرافقه?? كما جلس إلى المنصة على يمين ويسار الرئيس، أحد مسؤولي الغرفة الفلاحية وستة أشخاص آخرين من ممثلي جمعيات تشغيل الشباب ومسؤولي مراكز إعلام وتنشيط الشباب. ­ وباشر الرئيس خطابه بالحديث عن الأزمة التي تعيشها البلاد وآفاق الخروج منها ˜بالاتحاد والتضامن وجعل الجزائر قبل كل شيء… ليعرج على دور الدين الإسلامي الذي يجب أن يبقى، حسبما قال، بعيدا عن التطرف وعنصرا للتفتح وقال في هذا السياق إن البلدان الأوروبية تفوقت علينا بالعلم والمعرفة..

حوالي الساعة 11.35
يجمع كل من عايش حادثة اغتيال الرئيس على أن الحرس الشخصي المرافق له بلباس مدني، كان متواجدا على يسار ويمين المنصة طوال فترات الخطاب، لينزل بعد ذلك إلى أسفل المنصة “لكن غير بعيد عنها” ببضع دقائق قبل عملية الاغتيال، وفي الوقت ذاته كانت عناصر الحراسة المقربة “G.I.S” باللباس الأزرق متواجدة خلف الستار لحماية المدخل المؤدي إلى المنصة. ­ كان الرئيس مسترسلا في خطابه حول مكانة الإسلام وقيمه… حين سمع صوت فرقعة مكتومة “اتضح بعد الحادثة أنه صوت قنبلة يدوية نزع عنها غطائها” تلاها صوت شيء يتدحرج حتى أسفل الكرسي الذي كان يجلس عليه الرئيس بوضياف. حدث هذا في ثوانٍ معدودة مرت كالبرق… لتبرز فوهة بندقية رشاش من نوع كلاشنيكوف بين فتحة الستار الأخضر الذي كان منسدلاً يغطي ما وراء المنصة. وخرج رجل بلباس أزرق لفرقة التدخل الخاصة “G.I.S” كان الملازم الأول لمبارك بومعرافي، وأطلق النار مباشرة على الرئيس من خلف ظهره في حركة تنازلية بداية من الرأس ونزولا إلى الظهر…وفي نفس الوقت انفجرت القنبلة اليدوية التي كانت تحت مقعد الرئيس مصيبة بشظاياها كل من كان جالسا على المنصة.. ­ لم تدم الطلقات سوى ثوانٍ معدودة ليوجه بومعرافي فوهة رشاشه إلى أعلى وأسفل القاعة في حركة رشّ بالرصاص أصاب خلالها إحدى كاميرات التلفزة، في حين بقيت الكاميرا رقم 05 التابعة لمحطة قسنطينة الجهوية منصبة باتجاه المنصة تواصل التصوير الآلي، بعد أن رمى كل من كان واقفا نفسه على الأرض لتفادي الرصاص واختبأ من كان جالسا بالقاعة خلف الكراسي. وسارع الحرس الخاص للرئيس بإطلاق النار من أسفل المنصة باتجاه لمبارك بومعرافي الذي اختفى خلف الستار، “حسب تأكيد شهود عيان” ومرت لحظات من الفوضى والدهشة وهبّ حرس الرئيس ومعهم صهره السيد بن عبد الرحمان لتفقده. كان بوضياف ملقى على الطاولة في وضعية الجلوس، حاول صهره جسّ نبضه في الوقت الذي جاء أحد يحمل نقالة. عندها مدد الرئيس على النقالة، كانت آثار الجروح بالغة العمق على مستوى مؤخرة الرأس والظهر، وسارع صهر الرئيس إلى تغطية جسمه بعلم وطني كان معلقا على الستار، لينقل بعدها خارج القاعة وسط ازدحام كبير وفوضى لا توصف..أحد المقربين من المنصة صرح بعد الحادثة أن الرئيس توفي مباشرة بعد إطلاق النار عليه إثر إصابته في الرأس..

حوالي الساعة 11.55
نقل الرئيس بوضياف في سيارة إسعاف إلى مستشفى إبن رشد الجامعي، ولم تمض دقائق حتى شاع خبر إطلاق النار عليه بكل أرجاء المدينة وخيّمت حالة من الذعر والهلع على الجميع، واختلط الحابل بالنابل في كامل محيط قصر الثقافة الذي تمكن القاتل بومعرافي من الخروج منه بعد أن ألقى سلاحه وفرّ باتجاه حائط يعلو بحوالي مترين خلف بناية قصر الثقافة، وقفز من فوقه، حسب شهود عيان، وهو مجرد من السلاح ليتوجه إلى بناية محاذية لمقر الأمن المركزي الحضري لعنابة أين صعد إلى أحد الطوابق وطلب اللجوء لدى عائلة. وتتضارب الشهادات بخصوص هذه المسألة حول احتمال أن يكون بومعرافي سلّم نفسه طواعية لمصالح الأمن، أم تمت ملاحقته وإلقاء القبض عليه.

حوالي الساعة 12.30
بعد حوالي ساعة من حدوث عملية الاغتيال ألقي القبض على الملازم الأول لمبارك بومعرافي واقتيد إلى مقر الأمن المركزي أين أدخل إلى مكتب ووضع تحت حراسة ضابط للشرطة وأغلقت جميع المنافذ المؤدية لمقر الأمن. في نفس الوقت جاءت تعليمات من أعلى سلطات البلاد لتجريد مصالح الأمن من صلاحيات حفظ النظام وأوكلت نفس المهام لسلك الدرك الوطني الذي انتشر في شوارع المدينة على متن سياراته الخاصة المزودة برشاشات ثقيلة. ولا يمكن أن نتذكر بالتفصيل من تلا من أحداث بعد نقل الرئيس بوضياف إلى المستشفى أين تمت معاينة إصاباته ووضع في غرفة لوحده بعد أن عاين الأطباء وفاته.

حوالي الساعة الواحدة زوالا
شرعت التلفزة في بث آيات من القرآن ليعلن بعدها عن خبر وفاة الرئيس رسميا “متأثرا بجروحه في عملية إطلاق نار عليه” وأعلن عن اجتماع طارئ للمجلس الوطني للأمن للبتّ في خلافة رئيس المجلس الأعلى للدولة المتوفي.

حوالي الثالثة بعد الظهر
في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر حطت طائرة عسكرية عمودية بمطار عنابة وعلى متنها اللواء، وزير الدفاع خالد نزار رفقة مسؤولين آخرين في أجهزة الأمن وتوجه إلى مقر الأمن المركزي أين كان لمبارك بومعرافي مقيّدا وتحت حراسة مشددة. دخل اللواء خالد نزار رفقة ضباط سامين في الدرك الوطني، حيث تعرفوا على هوية القاتل ورتبته العسكرية ليقرروا نقله بعد استجواب قصير وسط حزام أمني إلى المطار ومن ثم إلى العاصمة. باشرت مصالح الدرك الوطني من جهتها في اعتقال الحرس الشخصي للرئيس وكامل فرقة التدخل الخاصة “G.I.S”. كما تم التكفل بجثمان الرئيس بوضياف ووضع في صندوق نقل على متن سيارة إسعاف إلى المطار لينقل بعدها على متن طائرة عسكرية إلى العاصمة. وفي المساء أعلن عن تعيين السيد علي كافي رئيسا للمجلس الأعلى للدولة وتقرر تشكيل لجنة تحقيق في ظروف اغتيال رئيس الدولة محمد بوضياف وفي تقريرها المسلم في 24 جويلية 1992 خلصت لجنة التحقيق إلى فرضية الفعل المنعزل.

نور الدين بوكراع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • شخص

    هناك رب و هناك يوم قيامة و سنعرف الحقيقة هناك كاملة بعد أن يأسنا هنا !