الرأي

اقبلْ اعتدائي على دينك أو أقمعك!

حسين لقرع
  • 1133
  • 14
ح.م

من يتابع ما تقوم به فرنسا هذه الأيام من إجراءات ضدّ مسلمين يقطنون بأراضيها تحت عنوان فضفاض هو “مكافحة الراديكالية الإسلامية”، يستنتج أنّ فرنسا أضحت تقول لمسلميها: إما أن تقبلوا بإهانة نبيّكم وتخرسوا تماماً ولا تُبدوا أيَّ احتجاج أو اعتراض مهما كان بسيطا وسلميا وحضاريا، وإلا فإنكم جميعا متّهمون بالتطرّف والإرهاب وستُقمعون بشتى الأشكال، من اعتقالٍ وسجن وترحيل وتنكيل…

صحيحٌ أنّ قطع رأس مدرِّس فرنسي ردا على عرضه رسوما كاريكاتورية مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، هو جريمة لا يمكن قبولُها أو تبريرُها، وهي تسيء إلى الإسلام وستُلحق بالمسلمين الأذى، وكنّا نفضّل مقاضاة الجاني أمام المحاكم الفرنسية، والاحتجاج سلميا على جريمته بحقّ النبيّ الكريم، ولكن بالمقابل: لماذا يكتفي الفرنسيون بإدانة الشاب الشيشاني الذي قطع رأس المدرِّس الفرنسي صامويل باتي، ولا ينتقدون بكلمةٍ واحدة إهانة المدرّس لنبي الإسلام وكذا زرع الكراهية في أوساط التلاميذ الأبرياء تحت غطاء “تعليمهم حرية التعبير”؟ أليس ما قام به باتي استفزازا صارخا لـ1.7 مليار مسلم في العالم كله وليس لمسلمي فرنسا وحدهم؟

قبل أن ندين ردّ الفعل، وهو ردّ انفعاليٌّ أهوج ومدانٌ بلا لبس، علينا أن ندين الفعلَ الذي أثاره.. لم يعُد خافيا أنّ هناك هجمةً شرسة على الإسلام بفرنسا لا يمكن أن يقبلها مسلمٌ عاقل، ولا حتى غربيٌّ منصف، ولنتحدّث عن الأسابيع الأخيرة فقط؛ فقد أعادت مجلة “شارلي إيبدو” نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى الرسول الكريم، وزعم الرئيسُ مانويل ماكرون أنّ “الإسلام يعيش أزمة في العالم أجمع وليس في فرنسا وحدها؟!” ورفض إدانةَ رسوم المجلّة المارقة وعدّها “حرية تعبير؟!”، ثم قدّم المدرِّسُ الفرنسي صامويل باتي درسا لتلاميذه الصغار عن “حرية الرأي” ولم يجد ما يستدلّ به سوى عرض رسمٍ يصوّر الرسول صلى الله عليه وسلم في وضعيةٍ مهينة… وكلّ هذه السلوكيات العنصرية والاستفزازية تدفع إلى طرح تساؤلات مُلحّة لا مهرب منها: لماذا قرّرت فرنسا الجهر بعداوتها للإسلام والمسلمين بعد عقودٍ طويلة من التعايش؟ وما هو هدفُها منها؟ ولماذا تصرّ على مواصلة استفزاز المسلمين وهي تعلم أنّ إهانة الأديان تغذّي الكراهية والأحقاد ويمكن أن تؤدّي إلى العنف؟

من حقّ فرنسا أن تتّخذ أيّ إجراء يحافظ على أمنها، ولكن في إطار القانون وبعيدا عن القمع والتضييق على مسلميها بلا ذنب، هل يُعقل أن تغلق مسجدا بضواحي باريس، لأنه نشر على صفحته شريط فيديو يستنكر إهانة المدرِّس باتي للنبي الكريم؟ ولماذا يُحلُّ “تجمّع مناهضة الإسلاموفوبيا بفرنسا”، مع أن كل ما يقوم به هو محاربة موجة كراهية الإسلام المتصاعدة بهذا البلد، بطريقةٍ سلمية حضارية؟ وهل يُعقل أن تتذرّع فرنسا بأنه “يتلقى مساعداتٍ من الدولة وتخفيضات ضريبية ويندّد برهاب الإسلام” كمبرّر لحلّه؟ هل كانت تنتظر منه السكوت على تفاقم الإسلاموفوبيا ما دام يتلقى “مساعداتٍ من الدولة”؟ ألا تريد السلطاتُ الفرنسية بذلك إسكات كل من يعترض على إهانة رموز الإسلام وإطلاق يد اليمين المتطرّف ليواصل استفزازاته واعتداءاته على الإسلام والمسلمين بلا قيود؟

فرنسا تلعب بالنار حينما تصرّ على أن تحقير مقدّسات الإسلام “حريةُ تعبير”، لا يا سادة.. هذا تطرّفٌ علماني وعنصرية بغيضة واعتداءٌ على المقدّسات سيثير الكراهية والأحقاد، وقد يتطوّر إلى مواجهات واضطرابات كبيرة تنهي عقودا طويلة من التعايش وتُدخل فرنسا في دائرة عدم الاستقرار.

أخيرا نسأل الحكام العرب والمسلمين مجدَّدا: أين أنتم؟ ومتى تتحرّكون على مستوى الأمم المتحدة للضغط عليها قصد سنّ قانون دولي يجرّم الإساءة إلى الأديان؟ ولماذا تصرّون على مواصلة السكوت المطبق وكأن الأمر لا يعنيكم؟

مقالات ذات صلة