-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اقرأ

اقرأ

أنبأنا الخبيرُ العليم، الأصدقُ حديثا أنه أنزل القرآن الكريم في ليلة مباركة من شهر رمضان، وعلّمنا أشرفُ الأنام، عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام، أن أول ما أنزله عليه الله -عز وجل- في تلك الليلة المباركة هو قوله سبحانه وتعالى: “اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم”.

لقد وقف أولو النهى من بني آدم، على اختلاف ألوانهم، ومعتقداتهم، وألسنتهم، ومبلغهم من العلم، وقفةً طويلة أمام هذا الحادث الذي ليس له في تاريخ الإنسانية -على امتداده- مثيلٌ، أعني “الأمر الإلهي” للإنسان بالقراءة، وما القراءة إلا مفتاحُ العلم، وأداته القلم.

إن هذا الأمر الإلهي الأول “اقرأ” مطلق، إذ لم يأمر الله -عزّ وجلّ- بسنٍّ معينة للبدء بالقراءة، كما لم يجعل -سبحانه- حدا لانتهاء القراءة، وقد نُسب للإمام ابن تيمية قوله: “مع المِحْبَرة إلى المقبرة”. والمعروف هو أنَّ عمر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عندما أمِر بالقراءة كان أربعين عاما.

وهذا الأمر “اقرأ” مطلقٌ من حيث موضوع القراءة؛ فبعد قراءة “المعلوم من الدين بالضرورة” تنفر طوائف المسلمين لطلب العلم في ميادينه المختلفة، و”كلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق له”. ومن مجموع هذه العلوم تكتسب الأمة القوة والعزة والمنعة.. فبالعلم تصنع كل ما تحتاجه في معاشها، وما تدافع به عن حياضها، وما تعالج به أدواءها…

وهذا الأمر أيضا “اقرأ” لم يحدِّد جنس المأمور بالقراءة، ذكرا كان أو أنثى، لأن التكليف الإلهي يشمل الإنسان بصرف النظر عن جنسه “وما لا يتم الواجبُ إلا به فهو واجب”، فكيف تعرف المرأة ما يتعلق بعبادتها إن لم تتعلّم كالرجل سواء بسواء، لأنهن “شقائق الرجال”؟

وما أجرأ هؤلاء الذين حرموا “نصف الأمة”، وهم إناثُها، من أداء واجبهنَّ في طلب العلم، الذي هو “فريضة على كل مسلم”، ذكرا كان أو أنثى، كما صحَّ عن هذا النبي الذي بُعث “معلّما”.

لقد تقوَّل بعض “العلماء” على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فنسبوا إليه منكرا من القول وزورا، وهو “لا تعلموهنَّ الكتابة ولا تُسكنوهن الغُرف”. ويا ويل من كذب على رسول الله متعمِّدا.. وقد قال شاعرٌ سفيه:

علمّوهن الغزل والنسيج والرُّدْنَ (*)    وخلّوا كتابةً وقراءة

فصلاةُ الفتاة بالحمد والإخلاص     تجزي عن يونس وبراءة

ومن العجب العجاب أن بعض العلماء في الجزيرة العربية كانوا -إلى عهد قريب- يمنعون المرأة من طلب العلم بأوسع معانيه، وقد بعث الإمامُ محمد البشير الإبراهيمي قصيدة لهؤلاء “العلماء” ينبِّههم فيها إلى أن ما يفعلونه لم يأت به الذكرُ الحكيم، ولم يقله الرسولُ الكريم.. وقد بلغت الجرأة بأحدهم أن كتب وريقات سماها “الدستور الإسلامي” ومما جاء فيه أن البنت تبدأ القراءة في سن الخامسة وتغادر المدرسة في العاشرة.. ويحسبه بعضُنا من “كبار العلماء”.

لقد جنى هؤلاء “العلماء” جناية عظيمة على الأمة؛ إذ حكموا على نصفها بما سمّاه الإمام ابن باديس “الموت الفكري”، وهو – كما قال- أشنعُ من الموت المادي، فيا أيها المسلمون لا تجعلوا القرآن عِضين، تؤمنون ببعضه، و”تكفرون” ببعضه، فاللهم فقِّهنا في ديننا، وأهدنا إلى العلم -بعد الإيمان- فـ”العلم قوة” كما قال روجر بيكون.

* الرُّدْن: هو فنّ تفصيل الملابس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!