الرأي

الآذان المصلومة لصفقة القرن

حبيب راشدين
  • 1217
  • 5
أرشيف

الظاهر أن حملة التسويق الدولي لما سُمِّي بـ”صفقة القرن” قد بدأت مع تكثيف التسريبات في الصحافة الدولية لتفاصيل الصفقة التي كان ترامب يريد الإعلان عنها مع نهاية شهر رمضان، لولا الحرج الذي أبداه قادة السعودية والإمارات ومصر، وخوفهم من ردة فعل شعبية كانت ستفسد عليهم خططا أخرى مُرافقة للصفقة لها صلة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الهزيمة المنكَرة في الشام، ومنح الوقت الكافي لمسار ترحيل الإيرانيين من المنطقة، وتثبيت الحصار الذي بدأ يُنفذ على إيران.

تفاصيل الصفقة أشرف على إعدادها فريقٌ يرأسه صهر الرئيس اليهودي جاريد كوشنر وشارك في إعدادها اليهوديُّ الصهيوني سفير الولايات المتحدة بإسرائيل، أبرز ما فيها: نسف مسار أوسلو وصرف النظر عن حل الدولتين، ودفن المبادرة العربية لسلام يقايض بالعودة إلى حدود 67، والفصل التام بين الضفة وقطاع غزة، ونسخ حق العودة، وأخطرها ترسيم ضم القدس الشرقية مع تدبير نقل الولاية الروحية للمسجد الأقصى من المملكة الأردنية لصالح السعودية…

الصفقة تبدو خيالية ساذجة حالمة، تريد أن تحقق ما عجز عنه الكيان وحلفاؤه طيلة 70 سنة وأكثر من ستة حروب مع العرب والفلسطينيين، هي أقرب إلى عقد إذعان يراد فرضُه بالقوة والمال على الفلسطينيين، ليس فيه ما يغري النخب الفلسطينية، حتى المتهم منها بالخذلان والعمالة، لحمل شمعدان عرس يراد أن يُنفذ فيه اغتصابٌ على المباشر لشعب يقاتل منذ سبعة عقود.

أبطال المشروع: إدارة الرئيس الأمريكي الذي يزور في النفس حلم تحقيق ما عجز عنه سلفه من الرؤساء الأمريكيين الأكثر قربا من المشروع الصهيوني، وقد وجد في أمراء السعودية والإمارات والرئيس المصري حلفاء لا يردُّون له طلباً، وقد ظهر منهم ما يشير إلى وجود حماس مفرط متسرِّع لوأد القضية الفلسطينية يتجاوز طموحات وخطط قادة الكيان أنفسهم.

ومع التسليم بضعف الموقف الفلسطيني، واستبداد دول الخليج بالقرار العربي، فإن حظوظ نجاح الصفقة تكاد تكون منعدمة، لها أكثر من معوق سواء من جهة الرفض المرتقب من أغلب مكوِّنات النخب الفلسطينية التي ترفض الانتحار، كما تحتاج إلى نجاح الولايات المتحدة في ترحيل الوجود الإيراني من سورية والعراق ولبنان، وإلى ترضية الأتراك الذين يعوِّلون على إبقاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مفتوحا كعنوان يمنح الشرعية لنشاط حلفائهم من الإخوان في مصر والأردن وسورية ودول الخليج، وقد يجدون في أوروبا المتخاصمة مع الولايات المتحدة في أكثر من ملف حليفا يساعدهم على تعطيل تنفيذ الصفقة.

ومن أجل تحييد معارضة روسية متوقعة للصفقة، يجتهد قادة السعودية والإمارات وإسرائيل لتشجيع ترامب على انجاز صفقة مع الروس في القمة المبرمجة يوم الاثنين القادم، يقايض فيها ترامب رفع العقوبات عن روسيا بتفهُّم روسي لحاجة الكيان الصهيوني وحلفائه من العرب إلى ترحيل إيران من سورية يؤمِّن لهم الجبهة الشمالية في لبنان، ويُضعف حضورهم في غزة.

ويبقى موقف النخب الفلسطينية في الضفة وغزة والشتات يشكل أكبر معوق للصفقة؛ إذ يكفي الفلسطينيين رفض الجلوس إلى طاولة الحوار مع عرَّاب الصفقة ومع قادة الكيان، لتتحول الصفقة إلى مشروع استعماري يُنفذ خارج الشرعية الدولية، وقد يتحوَّل إلى منحة من جهة انهائه لمشروع قيام الدولتين الذي كان سيُنهي حق الفلسطينيين في تحرير الأرض؛ كل الأرض.

مقالات ذات صلة