الأرندي يغزو فرنسا
عاشت فرنسا فضيحة انتخابية غير مسبوقة، وكأن الأرندي رحل إلى فرنسا لينظم فيها انتخابات من نوع خاص.
دخل السيد جان فرانسوا كوبي، منافسة انتخابية في فرنسا وفاز بها على طريقة الأرندي. وكانت المعركة من أجل الوصول إلى رئاسة حزب اليمين الفرنسي شرسة بين الأمين العام السابق فرانسوا كوبي، والوزير الأول الأسبق فرانسو فيون.
وكانت كل عمليات سبر الآراء تؤكد أن السيد فرانسوا فيون سيفوز بالانتخاب، حيث أنه رجل متزن، معتدل، يحترم الآخرين سواء كانوا من أصدقائه أو من خصومه. أما كوبي، فإنه يتبنى مواقف متطرفة، قريبة من “الجبهة الوطنية” في معاداة العرب والمسلمين، كما أنه يستعمل لهجة تثير غضب كل من يتعامل معه.
لكن السيد كوبي استعمل خلال العملية الانتخابية طريقة تشبه تلك التي استعملها التجمع الوطني الديمقراطي سنة 1997، لما فاز بالانتخابات التشريعية أشهرا قليلة بعد تأسيس الحزب. وقال خصوم السيد كوبي أنه قام بتزوير على نطاق واسع، كما استعمل وسائل الحزب لصالحه مثلما يستعمل عبد العزيز بلخادم وسائل الدولة في حملته الانتخابية. وفي نهاية المطاف، اعترفت اللجنة التي كانت تشرف على الانتخابات أنها نسيت جزءا من الأصوات، مما سمح للسيد كوبي بالفوز بالتصويت والتصرف بطريقة غير لائقة أزعجت الجميع، ودفعت منافسه فرانسوا فيون إلى القول أن السيد كوبي تصرف على طريقة المافيا.
وأثار تصرف السيد كوبي سخرية وحيرة الجميع، في فرنسا وفي الخارج، حيث لم يكن أحد يعتقد أنه يمكن تزوير عملية انتخابية في فرنسا إلى هذا الحد، وأن حزبا يعطي دروسا في الديمقراطية ويصدر فتاوى في نزاهة الانتخابات يستطيع أن ينسى هذه المبادئ ليتصرف بطريقة متخلفة إلى هذه الدرجة.
إن التزوير مازال ممكنا في البلدان التي تقدمت في ممارسة الديمقراطية، لكن المسؤول عن التزوير يدفع ثمن تصرفه إذا ثبت أنه ارتكب أفعالا غير مقبولة. أما عندنا، فإن صاحب التزوير هو الذي يعاقب ضحايا التزوير…
وتحول فوز السيد كوبي إلى هزيمة أخلاقية كبرى لليمين الفرنسي، حيث أصبح العالم كله يضحك من هذه المهزلة. ويعتقد الكثير أن هذه المغامرة الانتخابية ستترك آثارا كبيرة في الحياة السياسية الفرنسية، مع احتمال إعادة توزيع الأوراق في صفوف اليمين الفرنسي وتغيير الخارطة السياسية بصفة شاملة. ويمكن من الآن القول أن اليمين الفرنسي قد خسر الانتخابات الرئاسية التي ستجرى سنة 2017، خاصة إذا ترشح كوبي أو فيون.
لكن لماذا نتكلم عن انتخابات داخل حزب في فرنسا عشية الانتخابات المحلية في الجزائر؟ أليس من الأولى أن نتكلم عما يجري في ديارنا قبل أن نتكلم عن الآخرين؟
إن الكلام عن الفضيحة الفرنسية كان ضروريا لثلاثة أسباب. أولا، لأنه يذكرنا أن الديمقراطية لا تكون أبدا مكتملة. إنها بناء متواصل، لا ينتهي أبدا. ويجب مواصلة العمل من أجل الديمقراطية في كل مكان، وفي كل إطار، ويبقى العمل الميداني هو المرجع الوحيد لنعرف من هو صاحب المبادئ الديمقراطية، أما الكلام، فلا وزن له إن لم يكن مصحوبا بتصرف ديمقراطي. ولا شك أن الحياة اليومية في الجزائر تؤكد لنا ذلك.
ونتكلم عن هذه التجربة الفرنسية لنلاحظ كذلك أن هناك نزعة منتشرة عند الكثير، وهي مطالبة الآخرين بتصرف ديمقراطي من طرف أناس محتالين لا يحترمون قواعد الديمقراطية. وفي الماضي، كانت هذه الديمقراطية من معايير مختلفة قد أدت بفرنسا إلى اعتبار نفسها بلدا ديمقراطيا رغم أن سكان البلدان التي كانت تخضع للاستعمار لم يكونوا مواطنين، ولم يكن لهم الحق في التصويت. وفي الولايات المتحدة، كانوا يقولون أن نظامهم ديمقراطي رغم أن جزءا من السكان كانوا عبيدا…
وفي الأخير، نتكلم عن هذه الفضيحة الفرنسية لنشير إلى أن التزوير ممكن في البلدان التي تقدمت في ممارسة الديمقراطية، لكن المسؤول عن التزوير يدفع ثمن تصرفه إذا ثبت أنه ارتكب أفعالا غير مقبولة. أما عندنا، فإن صاحب التزوير هو الذي يعاقب ضحايا التزوير، رغم أن التزوير قد ثبت، مثلما حدث في الانتخابات المحلية في بلدية بوراشد بولاية عين الدفلى قبل خمس سنوات.