-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يصارعون الموج والبحر بلا ذنب

الأطفال والرضع.. جواز سفر المتزوجين عبر قوارب الحرقة

فاروق كداش
  • 686
  • 0
الأطفال والرضع.. جواز سفر المتزوجين عبر قوارب الحرقة

ظاهرة الحراقة ليست بجديدة في بلادنا، بل تعود إلى عقود خلت. وكأي مرض مزمن، تخف آلامها تارة ثم تهجم أوجاعها تارة أخرى، دون سابق إنذار.. وألفنا أن يسافر الشباب على قوارب الموت فيها وارد وأحيانا مضمون وأن “يحرڤوا” الفيزا بعد انتهاء مدتها، لكن أن تسافر عائلات بأكملها، فهذا ما لم يكن في الحسبان… وكم هو مؤلم أن تسمع بخبر غرق قارب عليه شباب في ريعان الشباب، فما بالك أن تسمع بوفاة رضيع أو طفل ظن أن هذه الرحلة لعبة ستنتهي بقطعة شوكولاطة.

يعج الفايسبوك بصور الحراقة وفيديوهاتهم، فتسمع خبر وصول قارب والفرحة العارمة للناجين من الموت وأخبارا محزنة لغرق قارب بما فيه. وما فيه هو الطامة الكبرى صور لرضع في أحضان آبائهم وأمهاتهم وأخرى لأطفال مذعورين هجرت البسمة ثغورهم.

في صورة أخرى من صور الفايسبوك التي تروجها صفحات تمجد الحرڤة وترافق كل حراڤ بالوداع الأخير، متمنية له أن يشفي غليلها ويصل سالما غانما إلى بر الآمان، تظهر أسر بأكملها فوق قوارب غير متينة مرعبة، ففي ركن ركين من المركب تجد أمّا قلقة تحمل رضيعها بخوف شديد، بجانب والد متهور، وكتب تحت الصورة “الوجهة سردينيا.. ادعولنا خاوتي”. ويتحدى الحراڤة خاصة الآباء المجتمع بأكمله بصور السيلفي مع أطفالهم، وهم في طريقهم إلى حياة أفضل كما يعتقدون.. وتنهال التعليقات التي تدعو لهذا الأب البطل في أعين البعض، وأخرى تتحسر على ما وصل إليه واقع الأسرة الجزائرية، وأخرى أكثر حدة تهاجم هذا الأب اللا مسؤول.. وأكثر هذه التعليقات تجدها من النساء اللواتي يعتصرن ألما عند مشاهدتهن أي طفل حراڤ، وسرعان ما يتصورنه ابنا من أبنائهن.

الموج يهمس في أذن الحراقة

قبل ثلاثة أسابيع، فوجئنا بخبر انقلاب قارب قرب سواحل إسبانيا، وانتشال خفر السواحل جثث ثمانية أشخاص، من بينهم امرأتان وطفل لا يتجاوز عمره أربع سنوات.

في سبتمبر 2020، انقلب قارب يحمل على متنه 20 حراقا، من بينهم ثمانية أطفال أصغرهم يبلغ من العمر عامين، واحترق الزورق بسواحل كاناستيل شرقي وهران، وأدى هذا الحادث إلى مصرع طفل في العاشرة.

في نفس الشهر من نفس السنة، اعترضت عناصر من خفر السواحل بالواجهة البحرية بسكيكدة في ساعة متأخرة قاربا يضم 19 حراڤا، من بينهم عائلات بأكملها ورضع لا يفقهون شيئا في ما يحدث لهم.

وقبل أيام، نشرنا صور رجل من باب الوادي، خرج في قارب حرقة مع أطفاله.. ولحسن حظه وحسن طالع أبنائه، أنه وصل إلى سواحل ألميريا الإسبانية بسلام.

حامل في عرض البحر

أكثر القصص جنونا عن الحرقة في الأيام الأخيرة، قصة أم جزائرية حامل في شهر الثامن، ركبت البوطي رفقة خمسة من أطفالها.. ولولا ستر الله لكانت هي وأولادها الأبرياء في عداد الموت، وتمكن خفر السواحل قبالة أليكانت من أنقاذها، وتم نقلها إلى المستشفى والتكفل بأولادها… وهذا هو لب الموضوع، إدراك أن البلدان المستقبلة تتكفل بالأولاد وتولي العائلات عناية خاصة، بسبب الأطفال لا الآباء، وهو ما يدفع هذه الأسر إلى ركوب الموت، طلبا للحياة في ضفة أخرى قد تعطي لأولادها ميزات أخرى قد تنتهي بتنصيرهم وانحرافهم عن قيمنا.

يوتيوب.. قناة الحراڤة الرسمية

اليوتيوب أيضا يضج بالفيديوهات المؤلمة عن أخبار الحراڤة الغارقين أو الناجين على حد سواء. فالنجاة هاهنا لا تعني بالضرورة نهاية للمزيرية، بل أحيانا هي بداية لحياة أكثر تعاسة للبعض واستمرارية لحياة اللصوصية والانحراف للبعض الآخر.

فيديو على اليوتيوب عدد مشاهداته وصل إلى 100 ألف مشاهدة، يظهر فتاة في سترة وردية تبتسم وتشير بحرف النصر “فيكتوري” ثم ينقلنا الفيديو إلى مشهد طفل صغير يرتدي سترة غير دافئة، وهو نائم على خده غارق في أحلام لا تمت بصلة لهذه الرحلة.

في فيديو آخر، شاهده أكثر من مليوني شخص بعنوان أصغر حراقة في بوطي، وتظهر فيه طفلة لا تتجاوز العامين بين ذراعي أمها المتوجسة خيفة من قرش أو دلفين يحوم على المركب.

ونتساءل حين نسمع شهادات لشباب رأوا الموت بأعينهم: كيف لآباء يغامرون بأبنائهم؟ فكم من شاب تمت التضحية به ورميه في عرض البحر مع سترة نجاة أو أحيانا بلا سترة أو نجاة… البوطي الصغير يسع عادة عددا صغيرا من الأماكن، لكنه يمتلئ عن آخره.. ويموج البحر فيصبح الخيار صعبا بمن يتم التضحية به في لعبة أقسى من لعبة فيلم “ساو”. فهل هذه هي النهاية التي يتخيلها الأب لأبنائه؟ للحديث بقية مادام البوطي فيه نفس والأحلام لا تموت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!