-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأم النرجسية.. أبناء ضائعون بين هيمنتها وتسلطها

نسيبة علال
  • 3455
  • 1
الأم النرجسية.. أبناء ضائعون بين هيمنتها وتسلطها
بريشة: فاتح بارة

يملك جميعنا صورة جميلة عن الأم، فهي مصدر الحنان والطيبة، وفي استثناءات قليلة، لكنها منتشرة بالفعل في المجتمع، نجد غير ذلك.. أم نرجسية أنانية، مصلحتها الشخصية فوق الجميع. اضطراب ينعكس لا محالة على وضع الأسرة ككل، خصوصا الأبناء.

يشير الأخصائيون النفسيون، إلى أن المرعب في فكرة وجود أم نرجسية، أن الأبناء لا يكتشفون الواقع ومآسيه إلا لاحقا، ربما في مرحلة الشباب أو الأبوة، حين تبدأ نتائج سوء المعاملة التي كانت متخفية وراء الحب، تظهر على نفسية الأبناء وسلوكهم داخل المجتمع. فالأم النرجسية تعتبر خلافا لطبيعة الأمومة الفطرية، فهي التي تربي أبناءها على أنهم جزء لا يتجزأ منها وصورة عنها تقدمها للمجتمع، يجب أن تكون بالتفاصيل التي ترغب هي بها، ومن غير المسموح أن ينشأ الأبناء بأفكار أو شخصية أو سلوك مستقل طبيعي غير الذي تمليه هي وتريده أن يكون.

أبناؤها ملكية خاصة.. السيطرة المطلقة للأم النرجسية تحول حياة أبنائها إلى جحيم

تنسى الأم النرجسية أنها خلقت في هذه الحياة لمهمة تربية أبنائها وإعطائهم فيض الحنان، دون انتظار مقابل منهم. فهذه هي مهمتها الرئيسة، وتستمر في الشعور بأن ما تقدمه كأم يجب ألا يكون بالمجان. وحتى إن كان كذلك، فهو بمثابة تنازل عظيم منها ومجهود كبير ربما لا تستحقه الأسرة منها. والأمر لا يتوقف هاهنا، فالنرجسية تواصل الشعور بأهميتها البالغة في حياة الجميع، وأنها في حاجة دائمة إلى التقدير، وعلى كل من يستفيد من وجودها أن يكون خاضعا خانعا لها ولرغباتها وميولاتها، التي عادة ما تكون مجنونة نابعة عن اضطراب نفسي له علاقة بأحداث ماضية عاشتها كونت فيها هذه الشخصية.

بحسرة الذي يتمنى أما طبيعية، تروي إيناس 27 سنة، معاناتها مع أم نرجسية: “تريدني نسخة عنها، بفارق 31 سنة، ألبس من خزانتها، وأتصرف مثلها وأرافقها في الزيارات.. لم أحظ بحياة طبيعية تناسب سني أبدا. في الماضي كنت أبتغي ودها فأسايرها. تطور الأمر كثيرا، حتى أصبحنا في صراع دائم، إذا ما خالفت وجهت نظرها، أو توانيت عن مشورتها، فأمي تدعي أنها تعرف في كل المجالات.. حقيقة، الأمر لا يطاق، لأنها أمي ولا أستطيع خسرانها، معاناتي عميقة جدا”.

ولا مفر..

الأبناء ضحايا المرأة النرجسية، عادة يعتقدون أن العلاقة الطبيعية بين الطرفين هي ما يعيشونه مع بعضهم منذ الطفولة، ولا يستوعبون الحقيقة إلا عند الاحتكاك بأفراد آخرين، والاطلاع على علاقات مختلفة تربط الأمهات بأبنائهم، تقول حنان: “ينظر الجميع إلى أمي على أنها مثالية، وتهتم بجميع تفاصيل حياتنا حتى أدقها، وهي حريصة على علاقاتنا وسلوكنا.. هي أمام الناس أم نادرة، لكن، بالنسبة إلي وإلى إخوتي، أمي تتحول يوما بعد آخر إلى كابوس، كلما كبرنا زاد تضييقها علينها، وجعلتنا نشعر بأننا لا ننتمي إلى المجتمع، بسبب قراراتها الاعتباطية، ورد فعلها المجحف على كل ما نقوم به.. ما يؤلمني أكثر، أنني مضطرة إلى التعامل معها عن قرب مدى الحياة”.

الهيمنة وعدم التعاطف.. يخلف ضعاف الشخصية أبناء في حاجة إلى متابعة نفسية

إن ما ينتظره الأبناء من أمهاتهم في المرتبة الأولى هو التعاطف، وهذا ما يفتقدونه مع الأم النرجسية، التي تستمر طوال حياتها في توجيه العتاب واللوم لهم، حتى وإن كانوا مظلومين، أو ضحايا، أو مصابين بحزن شديد، فإنهم لن يحظوا بتعاطفها ووقوفها إلى صفهم، علاوة عن جعلهم ينصاعون أكثر خلف أوامرها وتوجيهاتها، لأنها وبحسب اعتقادها دائما ما تكون على حق.. وهذا ما يخلف مشاكل نفسية خطيرة وعقدا، وآفات اجتماعية بحسب الأخصائية النفسية مريم بركان: “ضعف الشخصية هو السمة الرئيسة لأبناء النرجسيات، فهم لا يملكون قرارهم، وتبعيتهم المطلقة لوالدتهم تجعلهم مترددين ومهزومين على الدوام، ما يسهل على المجتمع اختراقهم، قد لا يؤثر الأمر كثيرا في الصغر، لكن مرحلة الشباب والارتباط، تبدو صعبة لدى الكثير منهم، وقد يحتاجون إلى متابعة طبية، ومعاملة خاصة من المحيط، باستثناء أولائك الذين أفلتوا إلى ظروف أسوأ، بحيث اختاروا التمرد والعصيان”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • مليكة

    شكرا استاذة متمكنة تحليلك روعة و نتمنى مقالات اخرى لك.