الإرهاب والطّائفية.. رمتني بدائها وانسلّت
أظهرت إحصائية نشرتها جامعة “ميتشغان” الأمريكية مؤخّرا أنّ عدد القتلى في القرن العشرين، بلغ 102 مليون إنسان؛ 98 % منهم، أي ما لا يقلّ عن 100 مليون، قتلوا بأيدي غير المسلمين، بينما لم يقتل بأيدي المسلمين سوى نسبة لم تتعدّ 2 % . هذه الإحصائية، هي واحدة من عشرات الإحصائيات الغربية المنصفة، وسط ركام هائل من التّزوير الممنهج الذي يمارسه الإعلام الغربيّ، ومن خلفه الإعلام العربيّ المتعلمن، في التسويق لأكذوبة أنّ الإرهاب “ماركة” مسجّلة باسم المسلمين!.
الحقّ يقال إنّ الرزية ليست في إصرار الإعلام الموجّه على هذا التّزوير، لكنّها في تماهي كثير من المسلمين مع هذه التّهمة، وتباكيهم على أعتاب الغرب لأجل رفعها عنهم، ورضاهم بالبراءة بعضهم من بعض في سبيل ذلك، بل قد بلغ الأمر ببعض المتَبَتّلين في محاريب الغرب إلى حدّ البراءة من أحرار الأمّة الذين يواجهون الإرهاب الصهيو-صليبيّ دفاعا عن الدّين والأرض والعرض، كما هي الحال مع المقاومة الفلسطينية الباسلة.. وعلى النّقيض من هذا، نجد الغرب يستميت في الدّفاع عن إرهابه الرّسميّ الذي يحصد أرواح العزّل والأطفال والنّساء، وتُستخدم فيه أحدث الأسلحة التي يراد لها أن تجرّب في أراضي المسلمين وفوق رؤوسهم.
لقد بليت الأمّة بسطوة إعلام متعلمن كرّس لأكذوبة أنّ الإرهاب إسلاميّ المنبت والمنشأ؛ إعلام يلوم الشّاة المذبوحة على اضطرابها أثناء الذّبح وتسبّبها في تلطيخ ثوب الجزّار، ويتبرّأ من فعلها ويقدّم اعتذاراته عن إرهابها!. إعلام أثّر في قطاع عريض من نخبة الأمّة، وفي بعض علمائها الرسميين وغير الرّسميين، الذين شُغلوا بدبج البيانات والخطب التي تتحدّث عن سماحة الإسلام وبراءته من الإرهاب والإرهابيين، في وقت يستباح فيه الأقصى، وتدكّ مدن العراق وسوريا، وتتطاير أشلاء المسلمين بالأسلحة الأمريكية والفرنسية والروسية.
الطّائفيّة التي بُرّئ محترفوها وأدين ضحاياها
هذا التّحوير الذي طال تهمة الإرهاب، طال أيضا تهمة الطائفية، التي بُرّئ محترفوها وأُدين ضحاياها، برّئ من أسّس دولة وسط المسلمين على أساس مذهبيّ طائفيّ ووضع خطّة خمسينية ورصد أموالا طائلة لترويج مذهب يقوم ليس فقط على إلغاء الآخر وإنّما على لعنه والبراءة منه واستباحة دمه وماله وعرضه، وبرّئ من يطعن في كتب السنّة ومصادر الدّين، ويلعن الصّحابة المرضيين والخلفاء الراشدين وأمّهات المؤمنين، وبرّئت عشرات المليشيات الطائفية التي عاثت فسادا في سوريا والعراق وقتلت مئات الآلاف من الأبرياء على الهوية والطائفة والاسم؛ برّئت ليس فقط من تهمة الطائفية وإنّما أيضا من تهمة الإرهاب، وأعفيت من الإدراج ضمن قوائمه!، وفي المقابل ألصقت تهمة الطائفية بالضحايا الذين يستغيثون تحت حدّ السكّين والمثقاب، وألصقت بكلّ من تسوّل له نفسه شجب التطهير الطائفيّ، وأصبحت بطاقة حمراء تُشهر في وجه كلّ من يتصدّى للعدوان الممنهج على مصادر الدّين ورجاله.
أهل السنّة أمّة وليسوا طائفة
لقد استطاع الإعلام الطّائفيّ أن يفرض منطقه ويشغل الأمّة عن اكتشاف حقيقته، مستعينا بالصّوت المرتفع وخطاب المظلومية ومنطق “اكذب ثمّ اكذب حتّى يصدّقك النّاس”، وأمكنه أن يُرهب كثيرا من الكتاب والدّعاة عن الخوض في تفاصيل المؤامرات التي يحيكها المشروع الطائفيّ لأمّة الإسلام، ويجعلَهم يرضون باعتبار “أهل السنّة” طائفة إزاء طائفة “الشّيعة”، مع أنّ الطائفة الشيعيّة لا تضاهي أهل السنّة عددا ولا أثرا، ومع أنّ أهل السنّة لم يكونوا طوال التاريخ الإسلاميّ طائفة، وإنّما كانوا هم الأمّة، وهم الأصل الذي يردّ إليه غيره؛ فهم الذين جمعوا القرآن وتناقلوه بالأسانيد المتّصلة، واهتمّوا بتفسيره وبرواياته وأحكام تلاوته، ولم يكن أشهر قرّاء العالم الإسلاميّ إلا منهم، وهم الذين جمعوا السنّة ووضعوا علم الحديث لتمييز الصحيح من الضّعيف، وهم الذين أرسوا دعائم الإعجاز العلميّ في القرآن والسنّة، وقادوا على دربه مئات العلماء الغربيين إلى الإسلام، وهم الذين جيّشوا الجيوش وفتحوا الفتوح، ونقلوا الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها، وهم الذين صدّوا الحملات الصليبية وحملات التتار والمغول… فهل يليق بعد كلّ هذا أن يرضى بعض الدّعاة والكتّاب بتصنيف أهل السنّة على أنّهم طائفة من الطّوائف؟