الرأي

الإسلام بمنظور أندونيسي

عبد الرزاق قسوم
  • 3944
  • 16

على ضفاف المحيط الهندي، وفي أعماق آسيا، وتحديدًا في أندونيسيا، ذات أرخبيل الجزر الطبيعية الجميلة. وفي جاكرطا، بالقرب من جزيرة باندونغ التاريخية الجليلة. انتظم من2 شعبان إلى 4 شعبان 1437هـ، الموافق لـ 2-11 مايو 2016م، انتظم بدعوة من جمعية نهضة العلماء الأندونيسيين، مؤتمر القمّة الدّولية لقادة العلماء المسلمين المعتدِلين.

لقد أمّ هذا المؤتمر، نخبة من علماء 25 دولة من الأمّة الإسلامية، من الأردن، ولبنان، والعراق، ومصر، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وباكستان، وأفغانستان، ومن القارات الخمس، أستراليا، وأمريكا، وأوربا، وآسيا، وأفريقيا.

وبغض النظر عن كـمّ ونوع المشاركين من العلماء المسلمين، الذين اختلفت لغاتهم وجهاتهم، فإنّ الهاجس الذي كان يسكن الجميع، هو تنامي التطرّف الدّيني، واللاّديني، والغلّو في الإسلام من بعض أبنائه، في ظلّ ما يشهدُه العالم من تغيّرات، وما تعيشه أمّتنا الإسلامية من تفجيرات وانقلابات، وتجاوزات باسم الدّين أو معاداة الدّين.

لقد عقد المؤتمرون، طيلة الأيّام الثلاثة اجتماعات يشّخصون خلالها، ويحلّلون، ويبحثون للدّاء عن الدّواء.

كان الفضل لنهضة العلماء الأندونيسية الدّاعية إلى هذا المؤتمر في أنّها دقّت ناقوس الخطر، في ما آل إليه أمر المسلمين، أمام تقاعس العلماء عن أداء دورهم، وتوحيد أمورهم، وتمادي الحكّام في تصامُم آذانهم عن الاستجابة لمطالب الجماهير: “احكمونا بإسلام معتدل، وسطي منفتح على أنبل القيم الإنسانية”.

إنّ الحوار بين العلماء المسلمين كان وسيظّل هو المقدّمة السّليمة لبناء الحضارة الإنسانية، وسحب البّساط من تحت الصائدين في الماء العكِر، إمّا باسم الإسلام المنقوص، أو العداء الإسلاموفوبي المغصوص.

ففي ظلّ الواقع المتردّي الذي تشهدُه أمّتنا الإسلامية، يسود خطابان خطيران، لا ثالث لهما.

خطاب أصحاب الغلو والتطرّف الجاهِلين لروح الإسلام، وفلسفته، ومقاصديته. فهم يتمسّكون بحرفية النّص، ولا يُراعون أبعاد المقصد، فتراهم يرفضون كلّ من يُخالفهم الرّأي، بل ويُكفِرونه أو يبّدِعونه، ويُطالبون بمقاتلته. وهؤلاء شرّ وبلية على الإسلام الذي هو في أساسه دين الحوار، وأدب الاختلاف، والدّعوة إلى الله بالّتي هي أحسن.

وهناك خطاب أصحاب التفريط، المنسلبين الخاضعين لفلسفة الغرب وقيمه، هؤلاء الذين يرفضون –باسم الحداثة المزعومة- الإسلام وحجيّته، والفقه وأدّلته، فهم متطرّفون لا يقّلون خطورة عن أصحاب الخطاب الأوّل. بل إنّهم من أسباب نشأة الغلّو والتطرّف المضّاد.

وما بين الخطابين، تسللت الإسلاموفوبيا، لإذكاء نيران البغض، والكراهية والحقد، والإقصاء، وهو ما نتجت عنه هذه الحروب العنصرية العدائية على الإسلام والمسلمين.

ففي خطابه الافتتاحي سلّط رئيس نهضة العلماء الأندونيسيين، الدكتور سعيد عقيل سراج، وبلسان عربي مبين، سلّط الضوء على أعراض التأزّم التي تفتِك بالأمّة الإسلامية، وقدّم تشخيصًا لذلك من منظور الواقع الأندونيسي، فقال: “اسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة للحديث موجزًا عن التجربة الأندونيسية في رعاية الدّين والوطنية، فأقول: عندنا في أندونيسيا ما يسمى بالمبادئ الخمسة، أو ما يُطلق عليه باللّغة الأندونيسية “البانتشاسيلا PANCASILA” وهي أولا الرّبانية الموّحدة، ثانيًا الإنسانية العادلة والمهذّبة، ثالثًا الاتحاد الأندونيسي، رابعًا الشعبية الموجّهة التي تقودها الحكمة الرّشيدة عن طريق الشورى والتمثيل النيابي، خامسًا العدالة الاجتماعية لكافة الشّعب الأندونيسي” إنّ هذه المبادئ الخمسة هي كالمرسى للسفينة الأندونيسية، التي تركبها قرابة مئتين وثمانية وأربعين مليونًا من البشر بإثنيات وأقوام، وأديان متعدّدة، ومختلفة.

وهكذا فإنّ الإسلام لا يضيق باللّهجات أو الأعراق، أو المذاهب، بل إنّه يتسّع لها بكلّ رحابة، وتسامح مادام العدل هو السّائد، ومادام حقّ الإنسان هو المحترَم.

استمع المؤتمرون إلى محاضرات قيّمة عن تجارب إسلامية مختلفة، تجربة الإسلام في بريطانيا في مواجهته للإسلاموفوبيا، وتجربة الإسلام في النمسا وسط الغليان الذي يطبع الشباب المسلم في أوروبا، وتجربة “إحياء القلوب” المستلهم من مؤلفات أبي حامد الغزالي، وتنزيلها في كتب تربوية إلى الأطفال في أمريكا، إضافة إلى التعقيبات من كلّ أنحاء العالم الإسلامي.

وفي الختام انتهى المؤتمرون إلى إصدار بلاغ تضمّن مطامح الجماهير الإسلامية مؤكدًا على نقاط بارزة أهّمها: 

الدّعوة إلى التجمّعات الإسلامية لاستذكار الإبداعات الحيوية، النابعة عن التلاحم التاريخي بين روح الإسلام وتعاليمه، مع الثقافات المحليّة في أنحاء العالم التي أنشأت حضارات كبرى، كما هو الحال في الوسطية الإسلامية.

إسلام الوسطية الذي ندعو له، وليس فيه أيّ تعارض بين الدّين والوطنية… فمن ليس له الوطنية لا وطن له، ومن لا وطن له ليس عنده تاريخ، ومن ليس له تاريخ ليست له ذكرى.

يدعو إسلامنا الوسطي إلى إتّباع روح الإسلام، وتعاليمه الأساسية، خصوصًا الوسطية، والتوازن، والتسامح والاعتدال، وتجنّب أعمال العنف، والإكراه، والتطرّف والتشدّد.

التأكيد على أن مشكلة التطرّف الدّيني يمكن معالجتها، والتغلّب عليها، إذا كانت دولنا مستعدّة للقيام بواجبها بالمشاركة في تسوية هذه المشكلة، ويعتقَد أنّ الفقر وانعدام التوازن الاقتصادي يساهمان أيضًا في تفشي التطرّف، والتشدّد. وأنّ جمعية نهضة العلماء مستعدّة للقيام بواجبها والمشاركة في تسوية مشكلة الغلّو والتطرّف.

إنّها –إذن- دعوة إلى كلّ العلماء المسلمين، وإلى كلّ حكومات العالم الإسلامي كي تقوم كلّ فئة بواجبها، لمحاصرة التّطرّف والتشدّد بنشر العلم، وبثّ الوعي، وإقامة العدل، والتمكين للدّعاة من أداء دورهم بتوفير الوسائل المادية والمعنوية لهم.

إنّه نداء مهيب، ومصيب من نهضة علماء أندونيسيا. فهل من مجيب؟

مقالات ذات صلة