-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإسلام بمنظور أندونيسي

عبد الرزاق قسوم
  • 3943
  • 16
الإسلام بمنظور أندونيسي

على ضفاف المحيط الهندي، وفي أعماق آسيا، وتحديدًا في أندونيسيا، ذات أرخبيل الجزر الطبيعية الجميلة. وفي جاكرطا، بالقرب من جزيرة باندونغ التاريخية الجليلة. انتظم من2 شعبان إلى 4 شعبان 1437هـ، الموافق لـ 2-11 مايو 2016م، انتظم بدعوة من جمعية نهضة العلماء الأندونيسيين، مؤتمر القمّة الدّولية لقادة العلماء المسلمين المعتدِلين.

لقد أمّ هذا المؤتمر، نخبة من علماء 25 دولة من الأمّة الإسلامية، من الأردن، ولبنان، والعراق، ومصر، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وباكستان، وأفغانستان، ومن القارات الخمس، أستراليا، وأمريكا، وأوربا، وآسيا، وأفريقيا.

وبغض النظر عن كـمّ ونوع المشاركين من العلماء المسلمين، الذين اختلفت لغاتهم وجهاتهم، فإنّ الهاجس الذي كان يسكن الجميع، هو تنامي التطرّف الدّيني، واللاّديني، والغلّو في الإسلام من بعض أبنائه، في ظلّ ما يشهدُه العالم من تغيّرات، وما تعيشه أمّتنا الإسلامية من تفجيرات وانقلابات، وتجاوزات باسم الدّين أو معاداة الدّين.

لقد عقد المؤتمرون، طيلة الأيّام الثلاثة اجتماعات يشّخصون خلالها، ويحلّلون، ويبحثون للدّاء عن الدّواء.

كان الفضل لنهضة العلماء الأندونيسية الدّاعية إلى هذا المؤتمر في أنّها دقّت ناقوس الخطر، في ما آل إليه أمر المسلمين، أمام تقاعس العلماء عن أداء دورهم، وتوحيد أمورهم، وتمادي الحكّام في تصامُم آذانهم عن الاستجابة لمطالب الجماهير: “احكمونا بإسلام معتدل، وسطي منفتح على أنبل القيم الإنسانية”.

إنّ الحوار بين العلماء المسلمين كان وسيظّل هو المقدّمة السّليمة لبناء الحضارة الإنسانية، وسحب البّساط من تحت الصائدين في الماء العكِر، إمّا باسم الإسلام المنقوص، أو العداء الإسلاموفوبي المغصوص.

ففي ظلّ الواقع المتردّي الذي تشهدُه أمّتنا الإسلامية، يسود خطابان خطيران، لا ثالث لهما.

خطاب أصحاب الغلو والتطرّف الجاهِلين لروح الإسلام، وفلسفته، ومقاصديته. فهم يتمسّكون بحرفية النّص، ولا يُراعون أبعاد المقصد، فتراهم يرفضون كلّ من يُخالفهم الرّأي، بل ويُكفِرونه أو يبّدِعونه، ويُطالبون بمقاتلته. وهؤلاء شرّ وبلية على الإسلام الذي هو في أساسه دين الحوار، وأدب الاختلاف، والدّعوة إلى الله بالّتي هي أحسن.

وهناك خطاب أصحاب التفريط، المنسلبين الخاضعين لفلسفة الغرب وقيمه، هؤلاء الذين يرفضون –باسم الحداثة المزعومة- الإسلام وحجيّته، والفقه وأدّلته، فهم متطرّفون لا يقّلون خطورة عن أصحاب الخطاب الأوّل. بل إنّهم من أسباب نشأة الغلّو والتطرّف المضّاد.

وما بين الخطابين، تسللت الإسلاموفوبيا، لإذكاء نيران البغض، والكراهية والحقد، والإقصاء، وهو ما نتجت عنه هذه الحروب العنصرية العدائية على الإسلام والمسلمين.

ففي خطابه الافتتاحي سلّط رئيس نهضة العلماء الأندونيسيين، الدكتور سعيد عقيل سراج، وبلسان عربي مبين، سلّط الضوء على أعراض التأزّم التي تفتِك بالأمّة الإسلامية، وقدّم تشخيصًا لذلك من منظور الواقع الأندونيسي، فقال: “اسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة للحديث موجزًا عن التجربة الأندونيسية في رعاية الدّين والوطنية، فأقول: عندنا في أندونيسيا ما يسمى بالمبادئ الخمسة، أو ما يُطلق عليه باللّغة الأندونيسية “البانتشاسيلا PANCASILA” وهي أولا الرّبانية الموّحدة، ثانيًا الإنسانية العادلة والمهذّبة، ثالثًا الاتحاد الأندونيسي، رابعًا الشعبية الموجّهة التي تقودها الحكمة الرّشيدة عن طريق الشورى والتمثيل النيابي، خامسًا العدالة الاجتماعية لكافة الشّعب الأندونيسي” إنّ هذه المبادئ الخمسة هي كالمرسى للسفينة الأندونيسية، التي تركبها قرابة مئتين وثمانية وأربعين مليونًا من البشر بإثنيات وأقوام، وأديان متعدّدة، ومختلفة.

وهكذا فإنّ الإسلام لا يضيق باللّهجات أو الأعراق، أو المذاهب، بل إنّه يتسّع لها بكلّ رحابة، وتسامح مادام العدل هو السّائد، ومادام حقّ الإنسان هو المحترَم.

استمع المؤتمرون إلى محاضرات قيّمة عن تجارب إسلامية مختلفة، تجربة الإسلام في بريطانيا في مواجهته للإسلاموفوبيا، وتجربة الإسلام في النمسا وسط الغليان الذي يطبع الشباب المسلم في أوروبا، وتجربة “إحياء القلوب” المستلهم من مؤلفات أبي حامد الغزالي، وتنزيلها في كتب تربوية إلى الأطفال في أمريكا، إضافة إلى التعقيبات من كلّ أنحاء العالم الإسلامي.

وفي الختام انتهى المؤتمرون إلى إصدار بلاغ تضمّن مطامح الجماهير الإسلامية مؤكدًا على نقاط بارزة أهّمها: 

الدّعوة إلى التجمّعات الإسلامية لاستذكار الإبداعات الحيوية، النابعة عن التلاحم التاريخي بين روح الإسلام وتعاليمه، مع الثقافات المحليّة في أنحاء العالم التي أنشأت حضارات كبرى، كما هو الحال في الوسطية الإسلامية.

إسلام الوسطية الذي ندعو له، وليس فيه أيّ تعارض بين الدّين والوطنية… فمن ليس له الوطنية لا وطن له، ومن لا وطن له ليس عنده تاريخ، ومن ليس له تاريخ ليست له ذكرى.

يدعو إسلامنا الوسطي إلى إتّباع روح الإسلام، وتعاليمه الأساسية، خصوصًا الوسطية، والتوازن، والتسامح والاعتدال، وتجنّب أعمال العنف، والإكراه، والتطرّف والتشدّد.

التأكيد على أن مشكلة التطرّف الدّيني يمكن معالجتها، والتغلّب عليها، إذا كانت دولنا مستعدّة للقيام بواجبها بالمشاركة في تسوية هذه المشكلة، ويعتقَد أنّ الفقر وانعدام التوازن الاقتصادي يساهمان أيضًا في تفشي التطرّف، والتشدّد. وأنّ جمعية نهضة العلماء مستعدّة للقيام بواجبها والمشاركة في تسوية مشكلة الغلّو والتطرّف.

إنّها –إذن- دعوة إلى كلّ العلماء المسلمين، وإلى كلّ حكومات العالم الإسلامي كي تقوم كلّ فئة بواجبها، لمحاصرة التّطرّف والتشدّد بنشر العلم، وبثّ الوعي، وإقامة العدل، والتمكين للدّعاة من أداء دورهم بتوفير الوسائل المادية والمعنوية لهم.

إنّه نداء مهيب، ومصيب من نهضة علماء أندونيسيا. فهل من مجيب؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
16
  • مسعود

    اسلامي انا: انا افكر انا موجود.

  • رضا

    الرجاء الإطلاع على مقال (مقارنة بين الخوارج على الأمراء والخوارج على العلماء) من اربعة اجزاء لفضيلة الشيخ عبد الحليم توميات على موقعه نبراس الحق

  • مومن --فاقد الامل-

    و أنت ماذا فعلت لم نرى منك الا الهرولة نحو الرئاسة طالبا ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة قاتلة أدخلت البلد في غياهب لا ندري كيف المخرج منها و الان تأتي و تتحدث عن الدين و الوسطية عندما تكون لكم الشجاعة و تتكلمون بلسان مبين و تقول للمحسن احسنت و للمسيئ أسأت لا تخشون في الحق لومة لائم هذا هو العالم الحق أما هذا الانبطاح فعلى جمعية علماء المسلمين السلام .

  • صالح

    يبدو أن النموذج العماني في التسامح والتعايش بين المذاهب الثلاث، والذي تطرقت إليه صحيفتكم في سنوات سابقة جدير أيضا بالدراسة والاهتمام ومن النماذج التي ينبغي انتهاجها.

  • r

    أولا ليس الإسلام ما يبني الحظارات
    بل الإنسان هو من بناها و يبنيها و سـ يبنيها
    ثانيا الإنسان هو من يوضح مغزى الإسلام وليس العكس
    المقصود هنا
    لو خيرتني بين انا و بين القران سأقول لك فورا أنا و بس
    ثالثا لم تعد تدهشنا فصاحة الكلام و كثرة المسميات بإسم الاسلام
    أنا شخصيا أعتبر نفسي مهم جدا
    لهذا أسمي المفاهيم بالفكرة التي تقنعني أنا
    وليس ما أقنعت فلان و علان
    حتى ولو كان صاحب اجتهادات و امتيازات
    لن اسمح له بأن يرسخ فكرة في عقلي الا إذا أقنعني
    في النهاية هذه مبادرة جميلة لـ يصلحون ما خربوه
    Merci

  • سالم/زائر

    هذا ما نحتاج اليه أن ندرس ماذا نريد لماذا نحن متخلفون لماذا نشكوا في ديننا
    لماذا يقتصر الاسلام على المفهوم السعودي او المصري ولماذ ا إسلام معارض
    وإسلام موالي بحجة عدم الخروج على الحاكم .رسالة لكم يا حكام أنتم سبب
    في كل ما نحن فيه من إرهاب وتخلف وإنحطاط وشعوذة .دعوا العقول تتحرر
    وتشارككم الرأي .. وفي ديننا كل الخير.

  • أحمد

    "احكمونا بإسلام معتدل، وسطي منفتح على أنبل القيم الإنسانية".
    الغلو في سببه تحكيم العقول المنحرفة و ترك الوحيين
    الإسلام هو العدل

  • بدون اسم

    يدعو شيخنا إلى إسلام الوسطية،وهذا شيئ جميل ولكن هناك سؤال يطرح نفسه هل اختلاف الإسلام في الماضي عن الحاضر؟ نعم الإصلاح ضروري، إصلاح الإسلام يطمح إلى مصالحة الإسلام مع نفسه ( بوضع حد للتكفير خاصة الصراع السني الشيعي)، ومع العالم الذي يعيش فيه(إعادة تعريف عميقة لعلاقته به تُنهي تقسيمه إلى دار إسلام موعودة بالتوسع ودار حرب موعودة بالجهاد)، ومع العلم والذي يحقق اكتشافا مهما كل دقيقة بعضها يطرح على الوعي الإسلامي التقليدي أسئلة مُحرجة. هل ينجح صناع قرار المسلمين في هذا الإصلاح، أنا شخصيا اشك في ذلك.

  • عبد الرحمان

    اقول لن يفلح مؤتمر وفيه دعاة الخوارج مثل العريفي والقرني وعليكم يا دعاة الاسلام التربية والتصفية ادا اردتم الحل

  • حمورابي بوسعادة

    ... الحل قد يكون في : التعايش السلمي بين المذاهب وصياغة استراتيجية لحشد كل الموارد المادية والبشرية لخدمة الشعوب ...ألا يحق للبلاد الاسلامية تأسيس تكتل دولي قوي يفرض إرادته ...ألا يحق للعرب والمسلمين أن يتنفسوا في فضاء تحرسه القوة التي نراها اليوم مبددة مشتتة .وهم كغثاء السيل ...أما عن الارهاب بمفهومه الحصري فانه من صنع الأنظمة المحلية بمباركة ودعم من قوي خارجية . الأولي لا بعاد المتأسلمين والثانية لتشويه الاسلام وصده عن زحفه علي الغرب خاصة ...أنظروا هذا هو الاسلام الذي تريدونه لأنفسكم ولنا .

  • حمورابي بوسعادة

    ...ألم يقل جل وعلا: "إن تنصروا الله ينصركم..." لما لم ينصرهم ؟ لأن الأعمال بالنيات وهو يعلم خائنة الأعين - والحالة هذه ، مادام العرب والمسلمون يعيشون هذا الانهيار وتتكالب عليهم الضباع من جميع الأمصار ... الحل قد يكون في : التعايش السلمي بين المذاهب وصياغة استراتيجية لحشد كل الموارد المادية والبشرية لخدمة الشعوب ...ألا يحق للبلاد الاسلامية تأسيس تكتل دولي قوي يفرض إرادته ...ألا يحق للعرب والمسلمين أن يتنفسوا في فضاء تحرسه القوة التي نراها اليوم مبددة مشتتة .وهم كغثاء السيل ...يتبع

  • حمورابي بوسعادة

    لا يعرف أصلها من مفصلها ولا من أين أتت...وفي الطرف العارض المناقض والمؤيد أحيانا تستعمله أحزاب أممت الاسلام وسمت نفسها به وهو بريء من تصرفاتها التي في غالبيتها لاتمت بصلة الي الاسلام ...بالمختصر المفيد يا شيخ قسوم نجد اليوم أن الاسلام يعتدي علي حروماته وهو يستغل أبشع استغلال...ولو رأي فيهم الله خيرا للبلاد والعباد لمكنهم من تسيير شؤون بلدانهم بمنتهي الحكمة ...ألم يقل جل وعلا: "إن تنصروا الله ينصركم..." لما لم ينصرهم ؟ لأن الأعمال بالنيات وهو يعلم خائنة الأعين - والحالة هذه ،

  • حمورابي بوسعادة

    في حدود ما أفهمه وما أوصلني اليه عقلي هو أن الاسلام واحد وفهمه متعدد المشارب ، مما انتج فيه مذاهب رئيسية متعارف عليها ومعترف بها من قبل الجميع ...حتي في الدراسة تعودنا الكلام في مسائل الصلاة علي المذاهب الأربعة أو الخمسة مثلا ...لأن الاسلام يتسع للجميع لأنه دين سلام ووسطي ومتسامح ... لكن الاشكالية اليوم هي في أن الدول والحكومات ركبت صهوة الاسلام واستعملته بالمفهوم السلبي واستغلته أبشع استغلال لخدمة مصالحها في استقطاب الدهماء والرعاع وراءها لتأييدها إن لم نقل لتأييد عائلات تقهر شعوبها-يتبع

  • عبد الرحمن

    يا سيادة الدكتور المحترم!اجتمعوا في أدونيسيا أو في غيرها من بقاع الدنيا،فالأمر جلل و خطير لم تسجله البشرية منذ ظهورها،فالمسلمون يتعرضون للإبادة صباح مساء أينما وجدوا على ظهر البرية،باسم الإسلام وبمباركة شيوخ الإسلام،وأنتم تجتمعون لدراسة أسباب هذه الإبادة،والكل يدرك الأسباب تمام الإدراك،فلم تضييع الوقت في الاجتماعات؟لقد اعتنقتم الفكر الأمريكي بدل الفكر الإسلامي،واعتقدتم أنكم تصنعون جميلا،حيث ذهبتم إلى افغنستان وبكستان والجزائر والعراق وسوريا وليبيا،تحت راية أمريكا للجهاد ونشر الإسلام.فلم البكاء؟

  • ابوحذيفة التقرتي

    ويعتقَد أنّ الفقر وانعدام التوازن الاقتصادي يساهمان أيضًا في تفشي التطرّف، والتشدّد !!!!! و هل بلادن كان يعيش في فقر!!؟
    النبي عرف اهل الغلو و التكفير تعريفا نبويا موجزا يكفي كل مسلم يصدق الخبر الصحيح و ينفذ الامر الرجيح
    من كان يدعو لقتل القذافي و بشار و علي عبدالله بعد ما امتلاءت بطنه من موائدهم و كان سببا و اداة لخراب البلاد و العباد هو الغالي و التكفيري و لعل بعض من اذكر كان حاضرا جمعكم هذا ليبكي على اللبن المسكوب ثم مالكم تبعدون النجع بهذه الندوات الهدف قريب على مرمى حجر ؟؟؟

  • طارق مروان

    بسم الله الرحمن الرحيم
    بارك الله فيك يا شيخ.
    الاسلام بمنظور كلي هو العودة الى كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فهما العلاج وفيهما الانجاز