الرأي

الإصلاح بدل البهرجة!

جمال لعلامي
  • 553
  • 5
ح.م

إبعاد المدرسة عن السياسة، هو تحرير للأساتذة والتلاميذ من التسييس، وتخليص أيضا للمظلومة التربوية من قبضة الإيديولوجية، التي فعلت فعلتها في قطاع التربية والتعليم لسنوات طويلة، وليس سرّا أو سبقا، لو قال قائل بأن تعاقب عدّة وزراء وتداولهم على حقيقة قطاع التربية، ألبس هذا الأخير ثوب هؤلاء، فمنهم من أراده “كوستيما” أبيض، وهناك من أراده أسود، وبعضهم عمل على فرض الأسود، وآخرون على اختيار اللون الرمادي أو حتى المزركش!

كثرة الألوان، جعل قطاع التربية مصدرا للتغبية، وقد غاب التعليم، بسبب ظروف موضوعية وأخرى واقعية، كانت بين الاختيار والاضطرار، إلاّ أن المدرسة “راحت في الكرعين”، نتيجة الصراعات، تارة بين نقابات والوصاية، وتارة أخرى بين النقابات نفسها، وتارة بين كلّ هؤلاء وأولياء التلاميذ، الذين انشطروا هم أيضا في جمعيات ومنظمات متهارشة!

أفظع ما تعرّضت له مدرستنا، هو استيراد برامج من عند “اصدقاء”، أو “اعداء”، فكان “الكوستيم” أحيانا كبيرا على مقاسنا، وأحيانا صغيرا، فحدث لنا ما حدث للغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة، فلا هو تعلمها ولا هو حافظ على مشيته(..) فكانت النكسة حتما مقضيا!

ما سمّي بالإصلاحات، لم تؤت هي الأخرى أكلها، طوال السنوات المنقضية، لأنها كانت “إصلاحات الوزير”، ولم تكن إصلاحات نابعة من عصارة عمل خبراء ومختصين حياديين، لا يميلون إلى طرف “سياسوي” على حساب طرف آخر، وهو ما جعل المنظومة التربوية مخبرا للتجارب الفاشلة، والتلاميذ ومعهم الأساتذة فئران تجارب لا قيمة لهم سوى النجاة أو الموت داخل القفص!

إبعاد المدرسة عن السياسة والإيديولوجية، ومراجعة البرامج والمناهج، وإدخال الرقمية، وتخفيف المحفظة، وتكوين المعلمين، والتحاور مع الشركاء لحلّ المشاكل والانشغالات، هو مسار قد يكون مفيدا لإعادة بناء مدرسة جديدة، في الجزائر الجديدة، شريطة أن لا تكون المدرسة كذلك ملكا للوزارة الوصية، أو إرثا للنقابات، وإنما هي “ملكية عمومية” يحرسها الجميع من أجل إعداد أجيال مشبّعة بالعلوم والتكنولوجيا، وليس بالأحقاد والضغائن والانتماءات!

لا يحقّ للوزارة أن “تسجن” المنظومة التربوية، مثلما لا يجوز للنقابات أن ترهن المدرسة، وإنّما على هؤلاء وأولئك أن يضعوا يدهم في اليد خدمة للأستاذ والتلميذ، وطبعا لا ينبغي اختزال انشغالات القطاع في الأجرة والترقيات ومسابقات التوظيف، لكن يجب توسيعها إلى إصلاح المناهج والكتب وعقليات المدرّس، وأسلوب عمل المدير والمفتش، وطريقة إعداد أسئلة الامتحانات، وإبعاد الشهادات الرسمية عن التسييس وأرقام “الأولى منذ الاستقلال”!

مقالات ذات صلة