الرأي

الإعدام لكل من أحرق شجرة!

قرأت خبرا حضاريا، عن استقالة وزير من سيريلانكا، احتجاجا، على قطع شجرة من مواطن، أراد استغلال حطبها، في بلاد تنبت فيها الأشجار من دون زرعها ولا سقيها ولا الاهتمام بها، في مناخ نباتي كثيف، يكاد يشكل فيه الغطاء النباتي والماء إجمالي جغرافية سيريلانكا، وقارنته بما يحدث عندنا في هذه الصائفة من إبادة للغطاء الغابي الذي لا يمثل أكثر من واحد بالمائة من شمال البلاد، وقارنت ما بين تصرّف هذا الوزير المتحضر، وصمت السلطات عندنا، وهي تتابع عمليات الحرق المتعمّد للبساط الأخضر، وتساهم أيضا في تحويل الكثير من المناطق النباتية والغابية إلى مجمعات إسمنتية في عمرانها وفي قلوب سكانها، حتى أصبح الجزائري من أشدّ الناس عداوة للطبيعة وللبيئة، حيث يبحث عن مصلحته الخاصة ومن بعده.. الجفاف.

لا يمكن أن نتحدث عن التنمية وعن كمّ المشاريع والإنجازات، ولا حتى عن نوعيتها، من ارتفاع عدد الجامعات من ثلاث في عهد الاستقلال إلى قرابة المائة، وعن عدد المطارات والموانئ والمصانع والمدن الجديدة، التي تتكاثر على شكل المتتالية الهندسية، وكل الأرقام تؤكد بأن المساحة الغابية في الجزائر، تقلصت بشكل مريع منذ الاستقلال، وزادتها الحرائق التي صار لها فاعلون غير أعقاب السجائر والشرارات الطارئة، انقراضا.

والمؤلم في حكاية هذه الإبادة أو الجريمة ضد الإنسانية قبل الطبيعة، التي أتلفت آلاف الهكتارات من الأشجار في رمشة “ثقاب”، أن لا أحد يتألم، ولسان حال الناس والسلطة هواجس أخرى، بين باحث عن المصلحة الخاصة أو انتخابات تشريعية على الأبواب، ولا تكاد تشكل هذه الكارثة البيئية، أكثر من خبر تتناوله الصحافة ويتابعه الناس كإعلان عن وفاة في صفحات النعي، ولا تجد الشجرة من يحميها، في بلاد أجهزت على مشروع السد الأخضر في مهده، وكان من ابتكار المفكر مالك بن نبي الذي قدمّه للرئيس الراحل هواري بومدين جاهزا، من أجل سدّ الطريق أمام زحف الصحراء، وتحويل جبال الأطلس إلى غابات كثيفة فارتآى هواري بومدين، بناء ألف قرية اشتراكية، طلّق فيها الفلاح الأرض والبنات بالثلاث، وبدلا من تحويل أبناء الشمال إلى الجنوب والتخفيف من ضغط المدن الكبرى، أنجزت الجزائر ملايين السكنات فوق الغطاء النباتي والغابي، فأبادوا الريف، ونسفوا حب الطبيعة من قلوب الناس، وتجرّأ المواطنون على تجهيز مزيد من الأراضي، بحرق الغابة التي يبدو أن لا حافظ لها، بين من يضم أرضها إلى أرضه، وبين من يقترحها على الدولة مكانا للتوسع الإسمنتي.

ومن مبكيات الضياع البيئي في الجزائر، أن بلدية قسنطينة، قامت مؤخرا بقطع الكثير من الأشجار التي غرسها الأطفال في أحد الأحياء، بحجة تأمين زيارة حكومية ضمت وزير البيئة والفلاحة والموارد المائية والمكلف بالغابات، وعندما يكون ربّ البيت للدف ضاربا، فإن “الشطحات” التي تتعرض لها الغابات تصبح أمرا عاديا؟

مقالات ذات صلة