-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإقصاء ثقافة دستورية

الإقصاء ثقافة دستورية
ح.م

قد يبدو هذا العنوان لبعض السطحيين والظاهريين مستفزا لأنه يجعل من الإقصاء ثقافة دستورية ويحمل في طياته اتهاما للدساتير بأنها تبارك الإقصاء المرفوض دينيا وقانونيا وأخلاقيا، والحقيقة أن الإشكال عند هؤلاء يكمن في عدم التمييز بين الإقصاء من حيث المبدأ وبين الأحكام المرتبطة به، فالإقصاء من حيث المبدأ مرفوض جملة وتفصيلا، وثقافة الإقصاء التي هي ديدن بعض السياسيين ليست من الديمقراطية في شيء بل هي مظهر من مظاهر الدكتاتورية المقنعة، إن الإقصاء بهذا المعنى مخالف لمبدأ تكافؤ الفرص ولمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات لأنه إلى جانب كونه مظهرا من مظاهر الدكتاتورية المقنعة كما اصطلحت عليها فإنه يمثل أيضا سلوكا عنصريا لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال.

يعاني كثير من السياسيين والحقوقيين عجزا رهيبا في توظيف المصطلحات بالمعنى الواسع تبعا لقاعدة تغير الأحوال وما يقتضيه تغير الأحوال من تغير الأحكام، ولتوضيح ذلك أقول إن النفي وما يقوم مقامه مرفوض من حيث المبدأ، فالنفي أو الإبعاد كما يشيع استخدامه في بعض المواثيق الدستورية يتعارض من حيث المبدأ مع حق المواطنة ومنها حق المواطن في الإقامة بوطنه بكل حرية، ولكن قد يسقط هذا الحق حينما يخرق المواطن أحكام العقد الوطني والعقد كما يقال شريعة المتعاقدين، فالخرق موجب لزوال الحق. يتحدث القرآن الكريم عن صنف من المواطنين بالتعبير العصري خرقوا الميثاق العقدي والأخلاقي فوجب في حقهم النفي من الأرض، يقول الله تعالى: “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم”، قد يجأر بعض أدعياء حقوق الإنسان ويرفعون عقيرتهم ويطلقون العنان لألسنتهم وأٌقلامهم لاتهام الإسلام بالعنف والتطرف بسبب هذه الأحكام المشددة، ولكنهم يغضون الطرف عن حجم الجرم الذي ارتكبه هؤلاء في حق الدين والمجتمع فالحكم المشدد كان بسبب الجرم الشديد الذي يصل إلى حد محاربة الله ورسوله والفساد في الأرض، ولا أظن أن دستورا وضعيا أو ميثاقا أمميا يتساهل مع من كان هذا ديدنه أو يجد لخروجه على العقد الاجتماعي أو الإمعان في الفساد مبررا.

ما ذكرته يشكل مقدمة ضرورية لتأكيد فكرة أن الإقصاء ثقافة دستورية وأنه طريقة مجدية لتأديب بعض الخارجين عن سلطة الدولة وعن العقد الاجتماعي، فمن غير المقبول على سبيل المثال أن يترك الحبل على الغارب للمستخفين والمستهترين والعابثين بالأمن الديني والوطني والثقافي، وليس من المقبول أيضا أن يغض الطرف عن دعاة الطائفية والعرقية والمناطقية لأن ذلك يضر بتماسك النسيج الاجتماعي وبالوحدة والرابطة الوطنية، وليس من المقبول أيضا أن تلتزم الدولة الصمت أمام حالات السب والثلب التي يمارسها بعض المواطنين في حق الأشخاص والهيئات بدعوى حرية التعبير، وليس من المقبول أيضا أن يتجاوز المجتمع عن سلوك معاد للجيش بصفته حامي الحمى ودرع الوطن المفدى، وليس من المقبول أيضا أن يترك الساعي في تأليب المواطن على الوطن وشأنه لأن من شأن هذا التصرف أن يجعل الوطن هدفا لكل ناعق.

إن الإقصاء ثقافة دستورية وهو عقاب مستحق لمن خالف مرجعية الأمة، وإذا أردنا تجاوز العموميات وذكر بعض الحالات فإننا نجد في الحالة الجزائرية من خلال التعديل الدستوري الصادر بقانون رقم 16-01 مؤرخ في 26 حمادى الأولى عام 1437 هـ الموافق 6 مارس سنة 2016م، من المواد الدستورية ما يمثل تأكيدا لفكرة أن الإقصاء في بعض الأحيان إجراء دستوري ضروري للتعامل مع بعض السلوكات الشاذة والمعادية لمرجعية الأمة ولروح الدستور في حد ذاته، فقد شدد الدستور الجزائري النكير على دعاة الفتنة والعنف والتطرف حيث جاء في الديباجة: “إن الشعب يعتزم على جعل الجزائر في منأى عن الفتنة والعنف وعن كل تطرف، من خلال ترسيخ قيمه الروحية والحضارية التي تدعو إلى الحوار والمصالحة والأخوة، في ظل احترام الدستور وقوانين الجمهورية”. وبناء على هذه القاعدة الدستورية فإن الجزاء المستحق لدعاة الفتنة والعنف والتطرف هو الإقصاء، ويشمل الإقصاء أيضا من يسعون لكبت الحريات أو سلبها من الآخرين من غير وجه حق وكذا من يسعون لتقويض الديمقراطية وتأسيس ديمقراطية على المقاس، وقد ورد التأكيد على ذلك في ديباجة التعديل الدستوري: “إن الشعب الجزائري ناضل ويناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية، وهو متمسك بسيادته واستقلاله الوطنيين، ويعتزم أن يبني بهذا الدستور مؤسسات، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة، وضمان الحرية  لكل فرد، في إطار دولة ديمقراطية وجمهورية”. إن هذا النص الدستوري يؤكد أن الجزاء المستحق لأعداء الحرية والديمقراطية هو الإقصاء وهو عين العدل.

ويرد في ديباجة التعديل الدستوري أن هناك عقدا وطنيا مقدسا بين الجيش والشعب ولذلك فكل من يسعى لإفساد هذا العقد أو الإخلال أو الإضرار به بشكل من الأشكال فإنه يستحق الإقصاء فضلا عما يوجبه القانون في حقه من عقوبات رادعة “جزاء وفاقا”، ومما جاء في الديباجة في هذا الصدد: “إن الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني يتولى مهامه الدستورية بروح الالتزام المثالي والاستعداد البطولي على التضحية كلما تطلب الواجب الوطني منه ذلك، ويعتز الشعب الجزائري بجيشه الوطني الشعبي ويدين له بالعرفان على ما بذله في سبيل الحفاظ على البلاد من كل خطر أجنبي وعلى مساهمته الجوهرية في حماية المواطنين والمؤسسات والممتلكات من آفة الإرهاب، وهو ما ساهم في تعزيز اللحمة الوطنية وفي ترسيخ روح التضامن بين الشعب وجيشه”.نقول تأكيدا لهذا العلاقة المتجذرة بين الجيش والشعب لا أتم الله مسعى من يستغل الحراك المبارك من أجل الفصل بين الجيش والشعب وزرع ثقافة الكراهية، إن الحراك ثورة شعبية سلمية مشبعة بالقيم الوطنية فلا يستحق من يسعون لإخراجه عن مساره إلا الإقصاء “جزاء وفاقا”.

ويؤكد الدستور الجزائري في الفصل الأول، المواد: الأولى والثانية والثالثة والرابعة “أن الجزائر جمهورية ديمقراطية شعبية، وهي وحدة لا تتجزأ وأن الإسلام دين الدولة وأن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية وأن “تمازيغت” هي كذلك لغة وطنية ورسمية”. وبناء على ذلك فإن كل من يعمل أو يتعاون من أجل تغيير الطابع الجمهوري والديمقراطي والشعبي للدولة الجزائرية فلا مكان له في المجتمع الجزائري ويستحق الإقصاء “جزاء وفاقا”، وكذلك كل من يعمل لزحزحة الإسلام بالتمكين لملة أو نحلة دخيلة فإنه يستحق نفس الجزاء، ومثله من يريد استبدال لهجة أو لغة غريبة عن المجتمع الجزائري باللغة العربية واللغة الأمازيغية.

ويؤكد الدستور الجزائري في المادة السادسة بأن “العلم الوطني والنشيد الوطني من مكاسب ثورة أول نوفمبر 1954 وهما غير قابلين للتغيير”. وبناء على ذلك فإن الإساءة إلى العلم الوطني والنشيد الوطني بأي وجه من الوجوه يعد تعديا صارخا على رموز الدولة والأمة وجزاء من يفعل ذلك الإقصاء وما يتبعه من العقوبات المنصوص عليها في القوانين والتنظيمات المعمول بها.

ويؤكد في الدستور الجزائري المادة السابعة والثامنة أن “الشعب مصدر كل سلطة، وأن السلطة التأسيسية ملك للشعب”، وبناء على ذلك فإن أي تغييب لسلطة الشعب وأي محاولة للالتفاف على السلطة الشعبية يعد مساسا مباشرا وخطيرا بالإرادة الشعبية، وأن كل من يسعى لتكريس ذلك أصالة أو نيابة بمبادرة ذاتية أو بإيعاز لا مكان له في المجتمع الجزائري ويستحق الإقصاء”جزاء وفاقا”.

ويؤكد الدستور الجزائري في المادة العاشرة بأنه “لا يجوز للمؤسسات أن تقوم بالممارسات الإقطاعية والجهوية والمحسوبية، وإقامة علاقات الاستغلال والتبعية، والسلوك المخالف للخلق الإسلامي وقيم ثورة نوفمبر”، وبناء على ذلك فإن دعاة الإقطاعية والجهوية والمحسوبية ودعاة الاستغلال والتبعية والمخالفين للأخلاق الإسلامية وقيم الثورة التحريرية لا مكان لهم في المجتمع الجزائري ويستحقون الإقصاء “جزاء وفاقا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • محمد

    يمر الشعب الجزائري خلال الفترة الراهنة بأزمة اجتماعية أساسها التخلف المعرفي وسيطرة ذوي النوايا السيئة من أعداء اللغة العربية والإسلام.هذه الظاهرة تغذيها سلوكات جماعات مافيوية تحتمي بغطاء سلطة الدولة.امتناع أجهزة العدالة من القيام بمهامها سمح للأشرار الحاقدين بالتغلغل في أوساط المجتمع ومنها خاصة الفئات المنغلقة على نفسها منذ أن بثت فرنسا سمومها للتفريق بين مكونات المجتمع الجزائري فشجعت التباين بين العربي وغيره وبين المناطق الجغرافية وبين قبيلة وأخرى وحتى بين الدوار وجاره بل ساهمت في توسيع ظاهرة الطرقية لتفتيت المجتمع.ما كان ليتفاقم الوضع لو تصدت له أجهزة العدالة ووسائل التوجيه ثم الردع بفعالية

  • مقبرة المواهب

    ثقافة الاقصاء في النظريات و الاعراف تقابلها في الواقع عقلية المنتصر ياخذ و يكتب كل شيئ و يوزع فتات الخبز على طيور الواق واق الراضية بالفتات ... فلا تطل التخمين في النظريات فالواقع سيحطمها.