الاحترام أساس المُلك
كما ينطبق مبدأ الاحترام على الأفراد ينطبق على المؤسسات والدول، سواء أكنت معلما أو طبيبا أو تاجرا أو موظفا أو مهندسا أو عاملا في أي قطاع.. لن تجني في آخر المطاف سوى كلمة واحدة، أن تكون محترما أو غير محترم. كل ما مَلكت أو قدَّمت إنما تحكمه أولا وأخيرا هذه الكلمة الجامعة المانعة التي يُطلقها الناس عليك: الاحترام.
والأمر يكون أوضح عندما يتعلق بالسياسيين ورجال الدولة. التصنيف الحقيقي والفاصل في الأخير لن يكون إيديولوجياً أو على أساس البرامج والسياسات التي اعتمدت إنما يكون قَيْميًا بامتياز: هل يوضع هذا أو ذاك من قبل الناس في خانة المحترمين أو غير المحترمين؟
هناك من تبقى تكنّ له الاحترام حتى وإن خالفك الرأي أو وقف ضدك في ساحة المنافسة السياسية، وهناك من يفقد هذه الصفة حتى وإن كان حليفك في يوم من الأيام.
وتوصف الدول أيضا بالمحتَرمة وغير المحترمة من قبل مَجْمَع الأمم.
هل تستطيع دولة اليوم أن تصف الجزائر بأنها غير محترمة على الصعيد الخارجي؟ لا أعتقد ذلك، دبلوماسياتنا عبر تاريخها العريق ومنذ باندونغ 1955 وهي تَفرض احترامها في المحافل الدولية. أي وزير خارجية كفء على الصعيد المهني يجد رصيدا كبيرا من الاحترام يرتكز عليه، بل رصيدا يُغطِّي حتى أخطاءه إن حدثت. ولم يتأتّ هذا إلا نتيجة عطاء كبير لرجال مخلصين في هذا المستوى حملوا قناعات ودافعوا عنها بلا تردد أو خوف.
مشكلتنا بالأساس هي على الصعيد الداخلي، حيث أصبحنا بالكاد نحافظ على بعض الاحترام لبعضنا البعض. ولولا بعض الرجال والنساء المحترمين الذين نصادفهم هنا وهناك في هذا القطاع أو ذاك، لفقدنا كل أمل في أننا سنصل ذات يوم إلى ضبط سياسات عامة محترمة يُنفّذها أُناس محترمون.
وسؤالنا بالأساس يُطرح في هذا المستوى: كيف نعيد صناعة الاحترام الداخلي بيننا كما صنعنا احترامنا الخارجي تاريخيا؟ وهل يَصمد احترامُنا الخارجي أكثر مما صمد إذا ما استمرت حالته هكذا في الداخل؟
علينا أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا قبل أي حديث عن الإمكانات أو القدرات أو الأهداف التي حققناها: هل هناك أناسٌ محترمون بيننا؟
رغم كل شيء نقول: مازلنا نسمع من يشهد عن وجود رجال ونساء محترمين في أكثر من قطاع، بل مازلنا نسمع بين الحين والآخر عن منتخبين محليين بل وسياسيين في أعلى مستوى يكنّ لهم الناس كل الاحترام. وتلك هي مساحة الأمل التي بها نعيش.