جواهر
في غياب فتوى شرعية واضحة

الاختلاط يجبر جزائريات على التفكير في ترك الدراسة!

سمية سعادة
  • 5874
  • 37
ح.م

منذ أن بزر الدعاة الجدد بخطابهم الديني “الحداثي” الذي ييسر كل عسير، ويمنح الرخص لمن شقت عليه أمور الدين، خفت الحديث عن الاختلاط بين الرجال والنساء في الجامعات وأماكن العمل والأسواق، ولم نعد نسمع عنه إلا من خلال بعض البرامج أو المواقع التي يديرها دعاة يطلق عليهم “متشددون” مازالوا يرون في خروج المرأة ودراستها وعملها أمرا يخالف الشرع والدين.

وحتى بالنسبة للنساء الملتزمات، لم يعد أمر الاختلاط يقلقهن أو يثير وساوسهن طالما أن الحديث عن هذا الموضوع اتخذ مسارات جديدة نزعت عنه صفة الحرام والمنكر، تماشيا مع متطلبات العصر التي تحتم على المرأة أن تكون في مواقع يرتادها الرجال، لذلك بات – الاختلاط – من المصطلحات القديمة التي لا يأتي الحديث عنها إلا في حدود ضيقة.

بعض الجزائريات لم يقتنعن بهذه المواقف الجديدة، ولم يمنعهن المستوى العلمي الكبير الذي بلغنه في أن يبدين رغبتهن في التعرف على موقف الدين من تواجدهن في “حالة” اختلاط مع زملاء لهن، ولم تكن إجابة الدعاة لهن بالشكل الذي يفصل فصلا قاطعا في هذه المسألة، وإنما هي دعوة لإيجاد بدائل ليست متاحة أصلا في الجزائر، بما يعني أن الأمر سيحيلهن على اتخاذ قرار صارم ينهي شكوكهن، كاقتراح أحد الدعاة على طالبة جزائرية، التي جاء في سؤالها أنها بعد أن من الله عليها بالحجاب، أصبحت ترى أنها تسيء للمحجبات في الجامعة “المختلطة” وهي حال كل الجامعات الجزائرية، ولأن الفرع الذي تدرس فيه يضم حوالي 70 بالمائة من الذكور، والبقية إناث، وأحيانا يلزمهن الأستاذ بالتعامل مع الذكور في المشاريع البحثية، وهو ما يحتم عليها الكلام معهم وأن تطلب منهم ما تحتاج إليه، مع العلم أن والديها لا يسمحان لها بالانقطاع عن الدراسة، طالبة من الداعية أن يبين لها حدود التعامل مع الرجال؟ وهل هي في حكم المضطر نظرا لموقف والديها من التوقف عن الدراسة؟ حيث أشار عليها الشيخ بالبحث عن فرع آخر في الجامعة تكون فيه فرص التعامل مع الذكور قليلة، وإلا عليها أن تحافظ على حجابها التام مع غض البصر وتقليل التعامل مع الذكور وعدم الخلوة معهم.

وفضل داعية آخر، أن تقوم إحدى طالبات الطب الجزائريات بالانقطاع عن الدراسة وتتزوج بمن خطبها أفضل لها من الاختلاط مع الرجال، ردا على رسالتها التي قالت فيها إنها محجبة وإن دراستها تجبرها على الاختلاط، ابتداء من الدروس النظرية وإلى غاية التربصات، وأحيانا تقوم بملامسة الرجال سواء من المرضى أو غيرهم، وهي مقبلة على تربصات ليلية تضطر فيها للمبيت في المستشفى في غرفة لا تفصلها عن غرفة الذكور إلا بضعة أمتار، طالبة من الشيخ أن يشير عليها بما يراه صوابا في هذا الأمر، وفي مسألة اشتراط الرجل الذي تقدم لخطبتها بضرورة الانقطاع عن الدراسة لأنها في رأيه حرام، فقام الشيخ بتأييد رأي الخاطب واصفا إياه بأنه “عين الصواب”، ونصح السائلة بأن الأفضل لها أن تنقطع عن الدراسة وتتزوج، مع إمكانية مواصلة دراستها في مؤسسة أخرى غير مختلطة، على اعتبار أن عمل النساء في الطب يحتاج إليه المجتمع، لذلك دعاها إلى أن تتجنب الاختلاط وأن تتفادى كل ما يمكن أن يؤدي إلى الفتنة.

من خلال هذه الأسئلة التي ما زالت تطرح من حين لآخر حول عمل المرأة والكثير من القضايا ذات العلاقة بها، يظهر أن باب الاجتهاد في الدين موصد إلى إشعار آخر، وأن الإجماع حول هذه المستجدات ما زال بعيدا، وكل الإجابات التي تظهر من قبل الدعاة من حين لآخر، لم ترو ظمأ المجتمع المسلم بما يجعله مطمئنا إلى أنه ملتزم بحدود الله، وأنه لم ينتهك حرماته، ولا شك أن هذا القلق سيظل مسيطرا على القلوب والعقول إلى أن يظهر دعاة وأئمة مجتهدون ينفذون بعلم وبصيرة إلى تلك الإجابات الشافية الوافية على هذه المسائل العالقة.

مقالات ذات صلة