الرأي

الاستثناء الذي تحوّل إلى قاعدة

رِبح معركة السّلم الاجتماعي، هو غاية كل الأنظمة في العالم، بل إن برامج مختلف الأحزاب والمترشحين للرئاسيات ومجالس الشعب والمجالس المحلية، هو بلوغ السلم الاجتماعي المادي والمعنوي، الذي يجعل المواطن يعيش مطمئنا على حاضره، وأيضا على مستقبله ومستقبل أبنائه وبلده، وتلجأ بعض الدول وليس كلها في بعض الأوقات، وليس في كل الأوقات، وفي بعض المجالات، وليس في كل المجالات، إلى التنازل عن مبادئ وبرامج ومخططات تنموية، من أجل ربح السّلم الاجتماعي، كأن تتراجع اليونان عن برنامج تقشف رفضه الشعب رغم أنه الحل الاقتصادي الوحيد، وأن تعود الأردن إلى تسعيرة الوقود السابقة رغم أن الرفع من التسعيرة هو الحل الوحيد، فكان ربح السلم الاجتماعي عبر تنازلات مجرد استثناء، لا تلجأ إليه الدول إلا مرة واحدة في تاريخها وفي مجال واحد، لكن أن يصبح ربح السلم الاجتماعي مشروع دولة، وقاعدة تسير عليها بلاد بحجم الجزائر في كل المجالات وبشكل دائم، فذاك الذي يعتبر سابقة فريدة يُخشى أن تكون نهايتها نسفا للسلم وللمجتمع معا.

فالدولة علّمت الطالب الجامعي الاتكال على غيره، وأصبح الوحيد في العالم الذي يُضرب عن الدراسة احتجاجا على وجبة غذاء سعرها دينار واحد، وعلّمت العامل أن يتحدث عن حقوقه دون أن يتحدث عن واجباته، وربما لا يعرف واجباته أصلا، وعلّمت المواطنين كيف يحتجون بالاعتصام وبقطع الطريق وشل الحركة، وكل ذلك في سبيل ما صار يعترف به الجميع وهو شراء السلم الاجتماعي، ليس بالبرامج الاقتصادية القوية، وإنما بمدّ اليد نحو ريع النفط واحتياطي الصرف، وتوزيعه على طريقة ما كان يحدث في سوق “عكاظ” بين شعراء المدح وكبار القوم، ولم يعد ربح السّلم الاجتماعي بهذه الطريقة البدائية، يخص رئاسة الحكومة وطاقمها الوزاري، وإنما طال مختلف المديريات والجماعات المحلية، فرئيس البلدية لا برنامج له غير انتظار الاحتجاجات، لأجل أن يطفئها ببرنامج هو “سيروم” يوقف الألم في عضو لبعض الوقت، وليس في كل الجسد وفي كل الوقت، وعندما يصبح الشعب هو من يخطّط، وهو من يأمر بتعبيد الطريق وإدخال الغاز الطبيعي، وتشغيل الشباب في غير أماكنهم المناسبة، وبتسفير المناصرين لتشجيع المنتخب الوطني في واغادوغو، فإننا لا نفهم ما دور المسؤول الذي وظيفته صرف المال العام تحت ضغط الاحتجاجات.

في إحدى تحقيقات قناة “الشروق”، اعترف أحد الشباب بأنه هدّد بالانتحار فمنحوه منصب شغل لا يتوافق مع تكوينه، وقاد احتجاجا بقطع الطريق في وجه المواطنين فحصل مع عائلته على سكن اجتماعي، واعتصم مع أهالي بلدته فتزوّد مسكنه بالغاز الطبيعي والماء الشروب، وعندما تصبح البرامج التنموية والاجتماعية، تتحقق بهذه الطريقة المبنية على ليّ ذراع الدولة، ومدّ اليد نحو آبار النفط، فإن الحديث عن المستقبل لا يمكن أن يكون أبيض، وربح السّلم الاجتماعي هو ربح معركة آنية خيالية، وخسارة الحرب الحقيقية التي قوامها السلم والمجتمع.

مقالات ذات صلة