-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الاستعمار الفرنسي عارُ الإنسانية

الاستعمار الفرنسي عارُ الإنسانية

مهما قدّمت فرنسا نفسها للعالم على أنها بلدُ التنوير والحرية والعقلانية في العصر الحديث، فإنها تبقى في المنظور الإنساني صاحبة أسوأ تاريخ استعماري في حق البشريّة، والجزائريين منهم على وجه الخصوص، بما اقترفته من جرائم حضارية ومادية فوق الخيال.

ستظلُّ فرنسا الملعونة تاريخيّا مرتبطة في ذاكرة الشعب الجزائري بأقسى صور الاحتلال البغيض الذي نهب وسرق كل ما وقع تحت يديه، والإبادات الجماعية والتعذيب الوحشي والجرائم النووية، ناهيك عن التجهيل الممنهج والتنصير والفرْنسة وهدم المساجد وحرق الكتب ونبش القبور وسواها من الفظائع…

لقد طبّق الجيش الاستعماري المقيت منذ دخوله الأرض الجزائرية الطاهرة سياسة الأرض المحروقة، في محاولة وحشية لقمع المقاومات الشعبيّة التي اندلعت في كل جهات البلاد، خاصة بالمداشر والأرياف.

ولذلك لم يتورع قادة فرنسا العسكريون، من أمثال العقيد ماكسيميليان جوزيف عن سحق قبيلة العوفية سنة 1832م في الحراش وسهل متيجة، ومثلها مجزرة عرش بن ناصر، قرب مدينة شرشال.

كما يوثق السجل الدموي لفرنسا في الجزائر الوقائع المفجعة لمحرقة أولاد رياح بمستغانم (غار الفراشيش) عام 1845م، حيث عمد جيش الاحتلال إلى القتل المنهجي ضد أفراد القبيلة بذريعة تحالفها مع الشريف بومعزة ودعمها لمقاومته، أمّا في محرقة الأغواط عام 1852م، والتي كانت أشدّ فتكا من سابقاتها، فقد استعملت القوات الفرنسية مواد كيماوية محرَّمة دوليا.

بينما “تبقى الفظائع التي عرفتها سطيف وقالـمة وخراطة وغيرها من الـمدن في الثامن من ماي 1945م، تشهد على مجازرَ بشعة، لا يمكن أَن يطويَها النّسيان، بل ستظلُّ محفورةً بمآسيها الـمروّعة في الذاكرة الوطنية”، مثل ما ورد في الرسالة الأخيرة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

وفي ردّها الجبان على هجمات 20 أوت 1955 قمعت فرنسا الآلاف من المدنيين وأحرقت المشاتي وقصفت القرى جوّا وبرّا، كما سلّحت الأوروبيين لتشكيل ميليشيات فاشية بهدف الانتقام من الجزائريين العزل، ولا يزال ملعب سكيكدة مَعلمًا شاهدا على المجزرة الكبيرة، يوم حُشر الآلاف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، لإعدام الكثير منهم، حتى بلغ عدد ضحايا الحملة الانتقامية 12000 شهيد.

وفي العام الموالي، نفذ متطرفون يهودٌ مدعومون بشرطة الاحتلال الفرنسي مجزرة 12 ماي 1956 في مدينة قسنطينة، أين راح ضحيتها المئات من المدنيين الأبرياء.

ومع توقيعها على عديد الاتفاقيات الدولية، باعتبارها من الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية المدعيّة للسلام، فقد أمعنت في قمع الجزائريين المدنيين بكل وحشية لعزل الثورة التحريرية بعد ما اشتدّ عودُها عن حاضنتها الشعبيّة، وستبقى الأحداث المأساويّة لمظاهرتي 11 ديسمبر 1960 بالجزائر و17 أكتوبر 1961 في باريس خير دليل على بشاعة الاستعمار الفرنسي.

كما تشكّل “حرب الكهوف” وجها آخر أكثر وحشية في ممارسات فرنسا مدعيّة “الأخوَّة” و”المساواة”، وقد اعترف مؤخرا بنُوها باستخدام جيشها المقيت لغازات سامة في حقن مغارات المجاهدين وكهوفهم، وأخطر منها تلك التجارب (الجرائم) لأسلحة دمار شامل نووية وكيميائية، وصواريخ باليستية، في عدة مواقع من الصحراء الجزائرية بدءا من 1957.

لم تكن تلك المحطات الأليمة في ذاكرتنا الوطنية سوى عيّنات محدودة عن جرائم فرنسا في حق الأمة الجزائريّة، ويكفي أنّ تقريرا صادرا عام 2017 عن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، يؤكد استشهاد 10 ملايين شخص خلال كامل فترة الاحتلال.

إنّ نكأ جراحنا التاريخية مع فرنسا لا تحرِّكه الأحقاد (وحقّ لنا الحقدُ عليها) ولا المزايدات أو الانغلاق على الماضي، كما يروِّج المهزومون وبقايا الطابور الخامس، بل لأنّ “الحرصَ على ملف التاريخ والذاكرة ينبع من تلك الصفحات المجيدة، ومن تقدير الدّولة لـمسؤوليتها تجاه رصيدها التـاريخي، باعتباره أَحدَ الـمُقَوّمـــــات التي صهرت الهويـــــةَ الوطنيــــــةَ الجزائريـــــةِ ومرتكزًا جوهريًا لبنـــــاء الحـــــاضر واستشراف الـمستقبل”، على حد تعبير رئيس الجمهوريّة.

ولا يمكن اليوم بناء مسار ثقــــة، والتطلع نحو إرساء علاقات تعاونٍ دَائم ومثمرٍ، يضمن مصالح البلدين في إطار الاحترام المتبادل، من دون تسوية نهائية لملف الذاكرة والتاريخ، لأنّ دماء الآباء والأجداد وحرمة الأرض المنتهكة وخيرات الوطن المسلوبة لن تذهب هدرا على يد الأسلاف في عهد السيادة.

من المؤسف أنّ “الشعوب التي خضعت للاحتلال لم تستفد من النظامين الأساسيين لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، نظرا لعدم احتوائها على قواعد محددة لملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، بخصوص المسؤولية الشخصية للأفراد والمسؤولية التقليدية للدول زمن الاحتلال”، كما كتب الخبير في القانون الدولي الإنساني، البروفيسور عمر سعد الله، على جريدة “الشروق”.

ولأجل استرجاع الحقوق لأهلها، فإنّنا ندعم بقوة مقترحَ سعد الله بخصوص استحداث شعبة خاصة بالجرائم الدولية على مستوى المحكمة العليا، تختصُّ بالنظر في جرائم الاحتلال الفرنسي، ومنحها اختصاصات القضايا المتعلقة بمسؤولية الدول والأفراد زمن الاحتلال، استنادا إلى المنظومة القانونية الدولية كاتفاقيات جنيف عام 1949، والصكوك المتعلقة بالنزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!