الرأي

الاستغراب

ح.م

تفضل أربعة شبّان فأسعدوني بزيارتهم لي مساء يوم الجمعة الماضي، وقد عرّفوا لي أنفسهم بأنهم طلبة نفروا ليتعلموا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، على منورها أفضل الصلاة وأزكى السلام.
خضنا في أحوال المسلمين مشرقا ومغربا، وأجمعنا على أننا “كلنا في الهم شرق” كما قبل، وأن أمتنا تنحدر بسرعة رهيبة نحو “كارثة” تصيّرها أثرا بعد عين، إن لم يتداركها الله – عز وجل- برحمته، ويفيّض لها “رجال” صالحين مصلحين، يخلّصونها من سفهائها الفاسد المفسدين.. الذين علوا في الأرض الإسلامية، وعاثوا فيها فسادا، فأذلوا الشرفاء، ورفوا اللّؤماء.
ورغم أنني من أكثر الناس تشاؤما من حال أمتنا بسبب تسلّط هؤلاء السفهاء من عبّاد “الشهوة الخفية” ومنافقيهم على هذه الأمة في جميع الميادين، بما في ذلك الميدان الديني، لسيطر “الخرافيين” عليه، والذين آتاهم الله آياته فانسلخوا منها وأخلدوا إلى الأرض، وأتبعهم الشيطان الإنسي، وحوّلوا القرآن العظيم من “رقية تحرير” إلى “رقية تخدير”، وصاروا:
إذا رأوا صورة الدينار بارزة خرّوا سجودا إلى الأذقان كلهم
قد أقسموا أنهم لا يشركون به بئس الإله، وبئس القوم والقسم
أقول: رغم تشاؤمي المبرّر، فقد حاولت أن أرفع معنويات أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم، وهم الآن يدعّمون إيمانهم الفطري بإيمان فكري علمي.. وأكّدت لهم أن الرجاء معمود على أمثالهم لتخلص أمتنا من هذه “الأصنام البشرية”، التي أوصلت الأمة إلى هذه الدركة من الانحطاط، بسبب جهلهم المعقد والمركب.. حيث كان أحد هؤلاء “الأصنام البشرية” لا يحمل إلا “شهادة الميلاد”، ومع ذلك استولى على ستة مناصب عليا من مناصب “دولته”.. ومع ذلك كان يتوقّح ويردد “ما نحتاجوش دروس في الدينية والوطنية”. ومن جهله الكبّار أنه وصف “صنما”، وهو بورقيبة بأنه “سلفي”!!
وقد سررت عندما أخبرني أحد أولئك الشبان بأنه على وشك مناقشة أطروحته لرسالة الدكتوراه.. وكان سبب سروري هو موضوع أطروحته وهو “الاستغراب” (occidentalism) وهي المقابل لما أطلق عليه الغربيون “الاستشراق” (Orientalism).. وهو نفور طائفة من الغربيين لدراسة كل ما يتعلق بالمشرق الإسلامي دينا، ولغات، وتاريخا، وعادات.. تمهيدا للسيطرة عليه عسكريا، وسياسيا، وثقافيا..
الذي أعلمه هو أن أول من استعمل كلمة “استغراب” في مقابل كلمة “استشراق” هو الكاتب بهيج شعب في ترجمته لكتاب “يقظة العالم الإسلامي” للكاتب ف.و. قرنو. (دار الحكمة. بيروت. ج1. ص116 هامش).
كما أعلم أن للدكتور حسن حنفي من مصر كتابا عنوانه “مقدمة في علم الاستغراب”، يدعو فيه إلى “تحويل الآخر- الغرب إلى موضوع للعلم، بدلا من أن يكون مصدرا للعلم”. (ص5) على أن يكون هذا الدارس محصّنا حتى لا يتحوّل هو نفسه إلى “الآخر” كما وقع لكثير من “الشرقيين” فصاروا غربيين أكثر من الغربيين.

مقالات ذات صلة