الرأي

البكالوريا بين الغش الأكبر والغش الأصغر

محند أرزقي فراد
  • 5591
  • 13

كلمة الغشّ مشتقة من “الغشش” أي المشرب الكدِر كما ذكر ابن منظور في قاموسه “لسان العرب”. ومعنى الغش، هو الخداع والاحتيال والسعي للحصول على أمر ما بطرائق غير أخلاقية وغير قانونية، لذلك حاربت الأديانُ السماوية والقوانين الوضعية ظاهرة الغش باعتبارها مرضا اجتماعيا خبيثا يهدِّد المجتمعات البشرية بالانهيار.

لكن المفارقة العجيبة أن الغش قد صار عُملة رائجة في مجتمعنا بمباركة أكابر القوم، يتعامل بها الناس في كلّ مجالات الحياة دون أن يتحرّك الضمير الخُلقي لمحاربة هذا الوباء. وعندما امتدَّ هذا السرطان الخبيث إلى امتحان البكالوريا أقام “الرأي العام” الدنيا ولم يُقعِدها، وكأنه أطلّ برأسه على مجتمعنا لأول مرة!. فراح البعض يحمّلون وزيرة التربية مسؤولية الجريمة، في حين صبّ البعض الآخر جام غضبه على الأساتذة والمترشحين، والقلة فقط هم من وضعوا الأصبع على الجرح.

 هل نسينا أن الظلّ لا يستقيم والعود أعوج؟ أليست الوزيرة ظلا للحكومة؟ أليست الحكومة ظلا لرئيس الدولة؟ أليس رئيس الدولة ظلا للمنظومة السياسية؟. إن الغش في امتحان البكالوريا هو غشّ أصغر، أنتجه غشٌّ أكبر هو “المنظومة السياسية المغشوشة” التي أنجبت رؤساء مغشوشين، ووزراء مغشوشين، ونواباً مغشوشين، وإدارة مغشوشة، وجهاز قضاء مغشوشاً، ومنظومة إعلامية مغشوشة، ومنظومة تربوية مغشوشة، ومنظومة صحِّية مغشوشة، وتديّناً مغشوشاً، ومواطناً مغشوشاً، ووطناً مغشوشاً ومخدوعاً. فهل بعد هذا تستطيع المدرسة أن تكون في صحَّة جيِّدة؟. ما لنا نصرخ في وجه الغش الأصغر، وننحني أمام أعاصير الغش الأكبر؟ ما لنا نلوم أبناءنا على اقتفائهم لآثار الكبار؟ ما لنا نلوم الجرح إذا أرضانا الألم بتعبير الشاعر المتنبِّي؟ لا شك أن هناك شرخاً في رؤوسنا – بتعبير الفنان الحكيم لونيس آيت منقلات- جعلنا نعجز عن إعمال العقل للخروج من نفق الاستبداد نحو برّ الديمقراطية، كما فعل من كان في مستوانا كدولة كوريا الجنوبية مثلا. وآخر الكلام: “وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا”.

مقالات ذات صلة