الرأي

البكالوريا للجميع إلا من أبى!

حسين لقرع
  • 1931
  • 9
أرشيف
نتائج شهادة البكالوريا

يبدو أنّ النتائج الأولية لامتحان البكالوريا هذه السنة كانت ضعيفة مقارنة بالسنوات الماضية، ما دفع وزارة التربية إلى اتخاذ قرارٍ غير منتظر بتخفيض معدّل النجاح إلى 9 من 20.

صحيحٌ أنّ القرار سيُنقذ عشرات الآلاف من الطلبة من الإخفاق، لكنّه بالمقابل سيؤثر سلبا في المستوى الجامعي والبحث العلمي ويزيده ضعفا وتردّيا، وهو الذي يعاني أصلاً من التراجع المستمرّ منذ نحو ربع قرن، حتى أصبح مستوى الكثير من المتخرّجين في الحضيض، ولم يعُد للجامعة الجزائرية أيُّ وزنٍ وثِقل بين جامعات العالم.

التبريرات التي ساقها وزير التربية محمّد واجعوط لتسويغ قراره هي في الواقع حججٌ عليه وعلى الطلبة؛ فالظروف الاستثنائية التي فرضتها كورونا جعلت الموسم الدراسي يمتدّ 12 شهرا، من سبتمبر 2019 إلى سبتمبر 2020، درس الطلبةُ خلاله فصلين دراسيين فقط في نصف عام، ثم مُنح لهم نصفُ عام لمراجعة دروس هذين الفصلين، وألغي الفصلُ الثالث تماماً، وهي الفرصة التي لم تُتَح لطلبة البكالوريا في السنوات الماضية، وبعد كلّ هذا، يُخفَّض معدّلُ نجاحهم إلى 9 فقط، هل هذا منطقيٌّ وعادل؟!

قلنا مرارا إنّ سياسة تدليل الطلبة هي التي أوصلت المستوى التعليمي في بلادنا إلى ما هو عليه، وقد بدأت هذه السياسة في التسعينيات في عهد بن بوزيد، ولاحظ الجميع كيف كانت نسبُ النجاح في البكالوريا ترتفع بشكل ملحوظ من سنةٍ إلى أخرى، وكلّ ذلك لأسباب سياسية وشعبوية لم تكن تُخفى عن أحد، لأن المستوى التعليمي كان يتراجع ونسبُ النجاح في البكالوريا ترتفع، وتكرّس ذلك أيضاً في الألفية الجديدة بمجرّد بداية تطبيق “إصلاحات” بن زاغو في 2003؛ إذ أرادت السلطة في عهد بوتفليقة “النجاح” لهذه “الإصلاحات” المزعومة بأيّ طريقة لإسكات منتقديها ولو كانت بمنح البكالوريا على طبق من ذهب للكسالى والغشَّاشين ومن لا يستطيع كتابة فقرةٍ صحيحة خالية من الأخطاء النحوية وحتى الإملائية، وأدى ذلك إلى تخرّج دفعاتٍ متتالية من الجامعيين الذين لم يكن الكثيرُ منهم قادرين على صياغة طلب عملٍ بكيفية صحيحة.

وبرغم الانتقادات الكثيرة، والدعوات الملحّة إلى تصحيح الخلل ووضع حدّ لضرب هيبة البكالوريا والمستوى الجامعي في الصميم، والعودة إلى صرامة مدرسة السبعينيات، إلا أنّ سياسة لقمان بقيت على حالها في عهد وزيرة التربية السابقة بن غبريط رمعون، واليوم تتواصل المهازل بتخفيض نسبة النجاح في البكالوريا إلى 9، وكأنّنا بذلك نريد القضاء تماماً على ما تبقى من هيبةٍ للبكالوريا، كآخر امتحانٍ محترَمٍ في هذه البلاد.

تخفيض معدّل النجاح إلى 9 فقط، سيُمكّن كل من هبّ ودبّ من الطلبة ضعيفي المستوى من النجاح، إلا من أبى ممن تدنّى مستواه إلى درجة العجز عن الظفر بمعدّل 9، وهو قرارٌ مرتجل وغير مدروس وتبعاتُه ستكون كارثية، فضلا عن أنه سيؤدي إلى اكتظاظ غير مسبوق في الجامعات، ويزيد من متاعبها من نواحي الإيواء والنقل والإطعام وتوفير المقاعد البيداغوجية لمئات الآلاف من الناجحين الجدد.

المخيف في هذا القرار أنّه قد لا يكون عابرا ويتعلق بسنةٍ واحدة استثنائية؛ إذ يُخشى الآن أن يخرج تلاميذ البكالوريا كل سنة إلى الشارع للمطالبة بتخفيض معدّل النجاح إلى 9، وترضخ الوصايةُ لضغطهم، كما رضخت مرارا حينما أقرّت ذات سنة العمل بالعتبة بسبب طول إضراب الأساتذة، فأصبح طلبة البكالوريا ينزلون كل سنة إلى الشارع للمطالبة بها مجددا، وكانت الوزارة تستجيب لهم مرغمة.

ما نجنيه منذ سنوات من رداءةٍ وتراجع متواصل للمستوى التعليمي، هو ثمارٌ مرّة للشعبوية، والتساهل، وإدخال العواطف في العلم، ومع ذلك يتواصل مسلسل الأخطاء والقرارات الارتجالية الانفرادية بسبق إصرار وترصّد!

مقالات ذات صلة