الرأي

البناء النفسي والاجتماعي في زمن الوباء وبعده

جمال غول
  • 378
  • 4
أرشيف

إذا كانت حاجتنا مُلحة للمصحّات والمستشفيات التي تداوي الأبدان فحاجتنا إلى المصحّات التي تداوي الأرواح أشدّ وألحّ مصحّات تداوي القلوب وتعالج أحوال الأنفس لتنقلها من حال الشقاء والقنوط إلى حال السعادة والرضا بقضاء الله.

مصحّات تُقوِّي البناء النفسي الذي يعطيه ديننا الحنيف للمريض لأن حاجة المريض لذلك في تقوية مناعته أمر مشاهد ومحسوس ومُدلل عليه علميا وخاصة في أوقات المعاناة الإنسانية والمحن الكبرى أين يكون الدين مصدرا للسكينة والطمأنينة .

وخير دليل ما نعيشه هذه الأيام حيث أن كثيرا من الدول المسلمة التي لم ينضبط مواطنوها بالحجر الكلي إلا أن انتشار فيروس كورونا ( كوفيد 19) لم يكن كانتشاره في الدول غير المسلمة الأكثر التزاما بالحجر الصحي وكذلك بالنسبة لحالات الوفيات، وذلك راجع لأسباب عديدة منها أن البناء النفسي في الدول المسلمة بناء قوي ونظام المقاومة والحماية الذاتية الناتج عن ذلك البناء أيضا قوي، وذلك كله راجع للخطاب الديني المتوازن والصحيح الذي يمنع الناس من الاستسلام للفزع والرعب والقنوط خاصة في ظل غياب الدواء وذلك ما هو مفقود في الدول الغربية عموما، وتفاوت وجوده أحيانا هو ما يُفسّر تفاوت انتشار الوباء وعدد حالات الوفيات في الدول الغربية نفسها.

وحاجتنا للترابط الاجتماعي زمن المحن لا يقل أهمية أيضا لأن تمزق اللحمة التعاونية التراحمية بين أفراد المجتمع يكون له انعكاسات خطيرة أثناء المحنة وبعدها، فالمصيبة إذا عمّت خفّت بخلاف ما إذا أصابت فئة دون أخرى فستكون منفذا لمهالك أخرى تهتك عرض القيم الأخلاقية والاجتماعية وتسمح بتسلل الأخلاق المدمرة للمجتمعات كالحقد والحسد والبغضاء والنميمة وغيرها .

وليس هناك باعث على هذا التكافل مثل الدين القويم الذي جاءت كثير من عباداته وشعائره المفروضة لتقوية البذل في النفوس وتعزيز أواصر التعاون بين الأفراد من خلال الزكاة والكفارات والنذور فضلا على النوافل كالصدقة والعتق والهدية وتشريع نظام الوقف في أرقى صور التعاون والعطاء الخيري بل إن الإسلام لما شَرع التصدّق من الأضحية في عيد الأضحى فقد جعل ذلك اليوم يوما للبذل الجماعي الذي لم يوجد في أي تشريع آخر ولذلك لم يكن المسجد كالكنيسة لأنه لا رهبانية في الإسلام تجعل المسلم منقطعا عن مجريات الحياة لأن الإسلام دين كامل شامل ولابد للبيت الذي اختُص بالعبادة في الإسلام أن ينطلق من هذه الشمولية ويستوعب جميع المجالات ويهتم بجميع عناصر المجتمع وذلك ما كان يفعله نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما كانت تأتيه التبرعات وهو في المسجد فيسارع إلى قسمتها على ذوي الحاجات .

ولذلك كله فإن رسالة الدين رسالة خادمة خالدة لا يمكن الاستغناء عنها في أي مكان أو زمان، فما بالك بالدين الإسلامي الذي شرع بعد اكتمال النضج البشري ؟

عندما يدعو الرئيس الأمريكي شخصيا (بصفته سياسيا لا رجل دين) للصلاة من أجل النجاة من وباء كورونا لهو دليل على فشل جميع السياسات التي أُسست بعيدا عن البعد الديني.

وعندما يخرج رئيس وزراء إيطاليا وعيناه تذرفان الدموع ليعلن أنه لا حل في الأفق إلا التوجه للسماء مشيرا للقدرة الإلاهية نعلم جيدا ضعف أي سياسية اتُخذت بمعزل عن البعد الديني.

وعندما يرفع الأذان بمكبرات الصوت الخارجية في برلين الألمانية ولندن البريطانية وبعض كبرى الدول الأوروبية كمخرج يتنفس منه المواطنون من وطأة الوباء الذي لم يجدوا له مخرجا سيكون ذلك دليلا لكل من استغفلهم إعلامهم وكذب عليهم بأن الدين أفيون الشعوب!

وعندما تندمج إيطاليات دون شعور في الصلاة مع المسلمين في شوارع إيطاليا لهو دليل آخر على الفراغ النفسي الذي أضعفهم أمام الوباء ولا سبيل لتعميره إلا بالرجوع إلى الدين الصحيح.

وعندما يُتلى القرآن في هيئات رسمية غربية ويستمع له ملحدون بتأثر بالغ تظهر بكل وضوح الفاعلية التي يكتسبها الإنسان من عبادة خالقه سبحانه العبادة الصحيحة .

سيُرفع الوباء بإذن الله تعالى وسيعلم كثير من الناس بأن الدين السليم الذي يوافق الفطرة ويوافق العقل ويحافظ على مصالح الناس هو الذي يحقق الحياة الراقية في الدنيا والآمنة في الآخرة وصدق الله القائل ” يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم …”

مقالات ذات صلة