جواهر
عائلات ترفض خرق الترتيب في تزويج بناتها:

البنت الكبرى تجر قطار الزواج والعنوسة لشقيقاتها

جواهر الشروق
  • 9343
  • 0
ح.م

البنت الكبرى هذه “المخلوقة” اللطيفة كبيرة القلب والعواطف، المحظوظة والمسكينة في نفس الوقت تتحمل الكثير من المسؤوليات بعد الأم مباشرة تعيش غالبا حياة ملؤها الخوف لأنها محل الثقة وتخشى الوقوع في الخطأ لأن الجميع يلومها ويصفها ب”الكبيرة، العاقلة، الفاهمة.. ويتوقع منها الجميع الصواب ولا يقبلون غيره، وهي أول من يضحي في العائلة بأغلى ما تملك فلا تتردد في ترك دراستها لترعى والدتها المريضة أو إخوتها وتكون مربية لهم، أو تختار “العنوسة” حتى تكون خادمة وفية لوالديها، وفي بعض الأحيان تكون “نحسا” على أخواتها في حال عدم زواجها حيث يرى البعض أن البنت الكبرى هي التي تجر قطار الزواج أو قطار العنوسة، وفي بعض العائلات المحافظة يبقى زواج البنت الكبرى شرطا ضروريا لزواج باقي أخواتها وترفض العائلات خرق نظام الترتيب حفاظا على مشاعرها.

بينت بعض الدراسات واستطلاعات الرأي أجراها موقع إعلامي عربي أن ترتيب البنات في العائلة يحدد شخصية كل واحدة فالكبرى تحظى بالثقة والوقار والمسؤولية في حين الصغرى تنعم بالدلال والوسطى مهضومة الحقوق، فالبنت الكبرى في الجزائر بقدر مكانتها في الأسرة إلا أنها تعيش الضغوطات والمشاكل وتتحمل الصعاب وتكبر قبل أوانها ولا تعيش طفولتها كباقي أخواتها، وفي الكثير من الأسر تعيش “محقورة”، حيث تقول إحدى البنات وهي كبرى أخواتها أنها تغار من شقيقاتها الصغريات تتصرفن بعفوية وأكثر حرية وبعيدات عن رقابة الآباء ولا يسلط عليهن اللوم فهن أكثر تحررا في التصرفات وأكملن دراستهن الجامعية في حين اضطرت هي لترك مقاعد الدراسة لمساعدة الأم المريضة بداء السرطان منذ سبع سنوات تقريبا، تشعر بأنها أما ثانية مسؤولة عن أسرتها تهتم بكل صغيرة وكبيرة وتقوم بكل أشغال البيت من تنظيف وطبخ منذ أن كانت في سن الثامنة أساسي، بعدها ارتدت الحجاب وتدريجيا وجدت نفسها سيدة بيت تربي حتى شقيقها الرضيع، وتقول بأنها ليست نادمة على قراراتها لكنها كانت تفضل لو لم تكن البنت الكبرى نظرا لثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها.

من بين الشهادات الحية لفتاة تبلغ من العمر 38 سنة، عزباء تدعى إلهام، وهي البنت الكبرى أجبرها والدها على ترك الدراسة في التاسعة أساسي وبقيت في البيت دون أدنى حقوق على الرغم من أنها تنوب عن العائلة في الرأي والمسؤولية فيأتمنها والدها على ماله وبيته وكل شيء، وترى أن شقيقتها أكثر حظا منها من ناحية الدلال فتحصل على كل شيء، فقد أتمت دراستها الجامعية وحصلت على رخصة سياقة وتتولى قيادة سيارة العائلة وتدخل البيت في وقت متأخر دون أن يحاسبها أحد، وتتصرف بعفوية وأكثر حرية في حين أن البنت الكبرى تلتزم الصمت والهدوء..غير أن مأساة إلهام بدأت عندما شعرت بأن العنوسة في الطريق إليها بعد أن تزوج شقيقها الأصغر منها وتقدم لخطبة شقيقتها الصغرى شاب ميسور الحال فبدأت حالتها النفسية تتأزم خاصة وأنها تتلقى “إهانات” من الأقارب ويصفونها ب”العانس” ولم تشفع لها مكانتها في العائلة من تجاوز نظرات الشفقة تارة و”الاحتقار” تارة أخرى على حد وصفها لحالتها.. تقول الهام أنها “تحرس البيت” في حين يخرج الجميع لحضور حفل زفاف، وتجلس إلى طاولة الأكل بعد أن يأكل الجميع وتنهض لتحضير القهوة قبل أن ينهض الجميع ولا تشتري فستانا إلا بعد أن يشتري الجميع..

معاناة البنت الكبرى في ترتيب الأسرة كبيرة حتى وإن بدى  لنا العكس فهي قائدة الأسرة بعد الوالدين وغيابها في أغلب الأحيان كارثة، تتولى ترتيب كل الأمور وتعرف مكان كل صغيرة وكبيرة في رفوف المنزل، فالجميع يتوقع منها الصواب دائما ولا يتقبلون خطأها وهذا مرهق بالنسبة لها وتكيل لها العائلة بمكيالين فتخشى من العنوسة خاصة إذا سبقتها شقيقتها الصغرى في الزواج، وقد يلق البعض اللوم عليها فتكون سبب تأخر زواج كل أخواتها في بعض العائلات التي ترفض خرق الترتيب في تزويج البنات فالعديد من الأسر الجزائرية خاصة في المدن الداخلية والأرياف تجد من غير اللائق تسبيق زواج البنت الصغرى عن الكبرى، وترفض رفضا مطلقا القبول بأي عريس يتقدم لخطبة إحدى بناتها الأقل سنا لأن ذلك سيؤثر على “سمعة” البنت الكبرى ويقلل من فرصتها في الزواج، لذلك تعتبر البنت الكبرى أهم حلقة في العائلة.

تقول إحدى السيدات كونها البنت الكبرى أثر كثيرا في حياتها خاصة بعد طلاق والديها، فتحملت منذ صغرها مشاكل العائلة المشتتة فتأثرت اختياراتها ونظرتها للحياة وهي لا تزال تدفع ثمن طلاق والديها من حياتها واستقرارها.

يرى المختصون في علم النفس والاجتماع أن الظروف والوقت تغير فقديما كانت الأخت الكبرى حجر عثرة في طريق أخواتها وهي من يجر قطار الزواج والعنوسة، وقد تكون لا تملك مقومات الجمال التي يبحث عنها طالب الزواج فيتوقف مصير أخوتها إلا بموافقتها وطلب إذنها في الموافقة على زواج الأخت الأصغر منها، لكن اليوم تغيرت المفاهيم وأصبح الآباء يخشون على باقي بناتهم من شبح العنوسة فلا يترددون في زواج الشقيقات الأصغر سنا، لكن ما هي ردة فعل البنت الكبرى بعد خطبة شقيقتها الصغيرة.

قد تخفي البنت الكبرى مشاعرها وانزعاجها وغيرتها وحرقتها وخواطرها في حال تقدم شخص لخطبة شقيقتها الصغرى، فلا تظهر سوى الفرح والبهجة وتتمنى لها السعادة، لكن أخصائيون في علم  النفس يؤكدون أن الوضع صعب وشبه قاتل فتشعر البنت الكبرى ب”الدونية” وتزداد مخاوفها من العنوسة، وقد تتسلل إلى قلبها مشاعر الغيرة والحقد فتزداد الحساسيات بين الأخوات خاصة إذا تعمدت الصغرى في إثارة غضب الكبرى وجرح مشاعرها حتى عن طريق المزاح، فالبنت الكبرى لها مكانة كبيرة في الأسرة الجزائرية وربما تكون أكثر أهمية من الوالدين في أغلب الأحيان نظرا لمسؤولياتها تجاه أخوتها، فهل تحفظ لها الأسرة كرامتها إذا جار عليها الزمن؟.

مقالات ذات صلة