الجزائر
ترسانة القوانين تفشل في استنطاق الضحايا وجمع الشهود

التحرش.. الجريمة الصامتة

الشروق أونلاين
  • 8480
  • 24
ح.م

يطاردها في كل مكان تحاول الهرب منه ومن مضايقاته، ولفت نظره لعمره المتقدم، فهي في مقام ابنته، لكنه لا يتهم للأمر ولا يبالي، في كل مرة تجده في انتظارها لا يعرف الكلل أو الملل، هو جانب من معاناة تعيشها إحدى الشابات اللواتي ابتلين بجار أو زميل متحرش، وبالرغم من ترسانة القوانين التي يتم سنها في كل مرة غير أن الضحية تلتزم الصمت وتفوض أمرها لله.

أكد المحامي الأستاذ حسان براهمي، أن أغلبية قضايا التحرش لاتصل للمحاكم فهي مازالت من الجرائم النادر معالجتها، فبعض النساء بمجرد تعرضهن لتحرش لفظي أو جسدي يغادرن مكان العمل ويقدمن استقالتهن بدلا من ترسيم شكوى أمام الجهات القضائية المختصة، وخصوصا بالنسبة للعازبات، فمجتمعنا المحافظ مازال أفراده لا يفرقون بين جريمة الاغتصاب والتحرش الجنسي، وأضاف المتحدث بأن المحاكم تستقبل قضايا قليلة لمتزوجات رفضن السكوت عن هذه الجريمة يتقدمن مدعومات بأزواجهن أو فتيات يساندهن أشقائهن. 

 

رب عائلة يطارد جارته ويحول حياتها إلى جحيم

وفي هذا السياق، تحكي لنا إحدى الشابات في الثلاثين من العمر، موظفة بمؤسسة خاصة، عن معاناتها اليومية مع جارها الشيخ السبعيني، وهو أب لبنات في عمرها وجد لأحفاد في المدارس عما تقاسيه يوميا معه، فقد حفظ العاشق الولهان مواقيت دخولها وخروجها والأيام التي تعمل فيها، وباتت تجده في كل مرة مرتديا بدلة أنيقة، يقف على مقربة من عمارتها ليقوم بحركات وإشارات غريبة ثم يدعوها للركوب لإيصالها للعمل، لكنها ترفض، وقد حاولت وضع حد لمضايقاته، لكنها لم تنجح فحتى بعدما اشتكته لزوجته تشاجرت معها هذه الأخيرة معتبرة أن زوجها حاج ولا يقوم بهذه التصرفات.

 

موظف يتحرش بزميلته في المكتب و”الفايسبوك”

أما شابة أخرى ففضلت أن تستهل قصتها بعبارة: أبيت الليلة ساجدة، أدعو الله أن يخلصني من مضايقاته الكثيرة، لم أعد أرغب في الالتحاق بوظيفتي لأنني لا أرغب في مقابلته، ومع أني حاولت وضع حد لتصرفاته وقدمت طلبا للتحويل من هذه الإدارة لأخرى، لكن طلبي لم يقبل، لتضيف أكثر ما يحز في نفسي كونه متزوجا وله أولاد ولا يتوانى في كل مرة عن التغني بتوقيفه زوجته عن العمل وإبقاءها في المنزل لتربية أولاده، ويعبر عن رفضه لخروج المرأة للعمل، ليتحين الفرصة للتحرش بي بالحركات والألفاظ، والأدهى من هذا كله أصبح يرسل لي رسائل قصيرة على الهاتف بعدما حجبته في “الفايسبوك”. 

 

صاحب مؤسسة يتحرش بخادمة ثم يتهمها بالسرقة

ويستغل بعض أرباب العمل في الغالب سلطتهم للتحرش بمستخدميهم وهي القصية التي عالجتها إحدى المحاكم، ضحيتها فتاة في العشرينات من العمر تعمل كخادمة في البيوت، ومنذ التحاقها بالمسكن الجديد لاحظت أن رب المنزل وهو يملك السلطة والمال، يقوم بتصرفات غريبة محاولا لفت انتباهها ويسمعها الكلام المعسول محاولا استمالتها، لكنها لم تتجاوب معه ليقابل امتناعها عنه بالطرد من العمل، ولم يكتف بهذا بل راح يتهمها بسرقته.

وأحيانا يكون الدخول لبعض المحلات نقمة مثلما هو في قضية الحال، حيث قصدت فتاة في العشرينات من العمر أحد محلات بيع الهواتف النقالة من أجل تحويل رصيد لرقمها “فليكسي”، فاحتفظ صاحب المحل بالرقم وأصبح يتصل بها ليزعجها ويتحرش بها هاتفيا ويرسل لها رسائل وهو ما لم تقو على تحمله، خصوصا وأن الحديث إليه ومحاولات ردعه لم تكن مجدية لتجد نفسها مجبرة على إيداع شكوى ضده.

 

الأستاذ براهمي: عقوبة المتحرش تصل إلى 5 سنوات حبس

فصل المحامي حسان براهمي، في العقوبات بحسب تعديل قانون 2015 حيث يعاقب مرتكب جريمة التحرش الجنسي بسنة إلى ثلاث سنوات حبس وغرامة مالية قدرها 300 ألف دينار جزائري كل متحرش بفعل أو تصرف أو لفظ يحمل طابعا أو إيحاء جنسيا، وإذا كان الفاعل من المحارم وكانت الضحية ضعيفة أو قاصر أو معوقة أو حامل، فالعقوبة تشدد إلى 5 سنوات حبس وإذا حكم عليه وكرر فعلته فتضاعف العقوبة.

وواصل القانوني أن العقوبة أصبحت الآن شاملة، بعدما كانت في السابق مقتصرة على التحرش الجنسي في الوسط الوظيفي، مردفا بأن هذا النوع من الجرائم من الصعب إثباته ويتطلب شهادة شهود يثبتون الواقعة والألفاظ التي قيلت والسياق أيضا، وما إذا كانت الضحية تتعرض لضغط أو تهديد أو تخويف ومحتوى العبارة، فلابد أن يكون صريح ويحمل دعوة لممارسة الرذيلة بدقة وليس تأويلها فبعض القضايا يحكم فيها بالبراءة مثل قضية ثلاث موظفات في شركة خاصة أودعن شكوى ضد مديرهن يتهمنه بالتحرش بهن، لكنهن لم يشتكين أثناء عملهن عنده بل لحين طردهن ليحكم القاضي ببراءته.

 

رقية ناصر: الموظفات أكثر تعرضا للتحرش والقانون لم يحم المرأة

كشفت رئيسة شبكة “وسيلة”، رقية ناصر عن استقبالهم لأزيد من 100 شكوى من سيدات يتعرضن للتحرش، وتحتل أماكن العمل المركز الأول من ناحية التحرش بالموظفات، سواء من طرف المسؤولين أو الزملاء، معترفة أنه منتشر في جميع المجالات والقطاعات كالصحة، التعليم فهناك مؤسسات معروفة ولها مكانتها، غير أن التحرش فيها موجود بنسب كبيرة جدا.

واعتبرت رقية ناصر القانون الجديد الذي يحمي المرأة من التحرش أعطاها الحق لكنه لم يحميها، وهو ما جعلهن يعزفن عن تقديم شكاوى لدى الجهات القضائية، فالقانون مبني على الشهود، وهذه الجريمة يستحيل ارتكابها أمامهم لذا تنتهي الدعوى ببراءة المتهم لينقلب عليها ويتابعها في قضية أخرى وتصبح المرأة من ضحية للتحرش إلى متهمة.

مقالات ذات صلة