الرأي

التخصُّصات في الجامعة.. مشكلة استشراف!

محمد سليم قلالة
  • 878
  • 3
ح.م

مشكلة التخصُّصات في الجامعة هي بالأساس مشكلة ضعف الاستشراف لدى القطاعات المُستخدِمة. في غياب استشرافٍ اقتصادي أو صناعي أو إداري أو اجتماعي أو ثقافي لا تستطيع الجامعة أن تُكَوِّن بالضبط ما ينبغي أن تُكَوِّن. ولا تستطيع تكييف برامجها التعليمية مع الواقع لكي يجد المُتَخرِّج نفسه مطلوبا في سوق العمل ومؤهَّلا لذلك. ونتيجة غياب معطياتٍ استشرافية لِمَا نَحتاج في العقود القادمة، لا نعرف أي نوعية من التكوين ينبغي أن نُقدِّم، فتكثر المبادرات والاجتهادات الفردية وتُرتَكب الأخطاء ليس فقط في حق الطلبة الذين نُكوِّنهم إنما في حق التكوين ذاته، فينحرف عن الغاية من وجوده وتُهدَر إمكاناتٌ مالية هائلة بإمكاننا الاستفادة منها بطريقة أفضل.
وإذا حاولنا تعميم هذه الملاحظة على مُجمل قطاع التعليم، فإننا نجد المشكلة ذاتها، من التحضيري إلى الجامعي مشكلة ضعف استشراف؛ إذ لا نبني برامجنا التكوينية على رؤية واضحة للمستقبل ولا نقدِّم مادة معرفية لأبنائنا في جميع مراحل التعليم تؤهِّلهم للقدرة على المنافسة في الزمن الذي وُلدوا ليعيشوا فيه.
لذا، علينا تصحيح مسألة التعامل مع برامج التكوين ما قبل الجامعي، ومع التخصصات في الجامعة من وجهة النظر هذه.
وقد طرح رؤساء اللجان البيداغوجية على مستوى وزارة التعليم العالي الممثلين للميادين الـ14 عشر للقطاع (بعشرات التخصصات) هذا الانشغال منذ أكثر من سنة، ودُعيت الوزارات المختلفة لتقديم رؤيتها الاستشرافية لِما تحتاجه قطاعاتها المختلفة خلال العقود القادمة، ولكن لا حياة لمن تنادي، إذ إن أكثر الوزارات والمؤسسات الوطنية اهتماما بالمستقبل لا تملك أزيد من توقعات مَبنية على تحليل خَطّى وكمي لبيانات ومعطيات، وليس على استشراف شامل بمفهوم أن لديها سيناريو مرغوباً اختارته على إثر عمل بحثي حقيقي وتسعى لتحقيقه من خلال تخطيط استراتجي واضح المعالم.
وهذه في الواقع ليست مشكلة قطاعية بقدر ما هي مشكلة هيكلية لدولة برمَّتها مازالت في حاجة إلى معرفة آفاقها البعيدة وتجنيد مواردها وفق سيناريو مرجعي متكامل قادر على تمكينها من الاستمرار مستقرة في هذا النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.
علينا، إذا أردنا بالفعل الشروعَ في إيجاد حل لمشكلة التخصصات في الجامعة أو تكييف برامج التعليم في جميع الأطوار، أن نعرف بالضبط ما الذي نريد أن نَكُوِّنَه في المستقبل من خلال سيناريو مرجعي علينا الاتفاق بشأنه في القريب العاجل يشمل كافة القطاعات.
دون هذا، تبقى محاولاتنا ترقيعية، وشعبوية، تستهلك أموالا طائلة ولا تُحَقِّق سوى أهداف شكلية، لا يكون فقط ضحيتها شباب بطالون بعشرات الآلاف أو يشتغلون خارج مجال تكوينهم بمئات الآلاف، إنما مؤسسات دولة غير قادرة على الصمود في وجه تحديات وتهديدات المستقبل وما أكثرها. وهذا ما ينبغي أن نتجنب، والاستشراف هو الأداة والوسيلة والأمل.

مقالات ذات صلة