-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التربية الجديدة

التربية الجديدة

من دون أي تخطيط، ومن دون إصرار أو ترصُّد، ظهرت ملامح العملاق السياحي النائم، وهو يهمّ بالنهوض، مستفيدا من بعض الزائرين من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والصين وفرنسا من الذين أبهرهم جمال البلاد فغردّوا له، كلٌّ بلغته، وما فهموا سبب ابتعاد الجزائر عن التصنيف العالمي لأحسن وأجمل البلاد في العالم، بل إن هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك وتوّج الجزائر، كقنبلة سياحية تهزّ العالم في قريب السنوات وربما الأيام.

الجزائريون الذين مازالوا يمارسون السياحة الداخلية مازالوا يُصدَمون بالكثير من الموبقات التي تنغّص عليهم معنوياتهم وتجعلهم يندمون على خطوات مكلفة محفوفة بممارسات دون التربية المرجوّة، يرتكبها الكبار مثل الصغار، فمن غير المعقول أن يقول جزائريٌّ إنه يتحرَّج كثيرا وهو برفقة عائلته يسيح في الشوارع طلبا للنزهة، عندما يسمع الكلام الفاحش الذي يطلقه الأطفال والشباب وحتى الكهول، ومن المؤسف أن تصطدم العائلات، وهي تطلب التفسُّح في الغابات والشواطئ، بأكوام من القاذورات، هي في الأصل من صناعة عائلات سبقتها إلى المكان.

نذكر مرة أن سائحا غربيا تنقل من أوروبا من أجل التمتع بمشاهدة جسور قسنطينة وأهمّها جسر الملاح أو المصعد، ولكن مدير السياحة بالولاية نصحنا بمراوغة هذا السائح، بسبب كمّ القمامة التي ملأت سفوح هذا الجسر والرائحة الكريهة المنبعثة من قناةٍ للصرف الصحي، التي أصيبت بعطب وصنعت شلالا ولكن من الفضلات.

ونشعر بالأسى أكثر عندما نعلم بأن “سوء التربية” التي تصدم المواطنين وهم يشقون الجبال والصحارى والشوارع طلبا للسياحة الداخلية، يتّحد لتحقيقها من هم في القمة والقاعدة في تجانس لا مثيل له.

هناك نسائم حقيقية لظهور سياحة وطنية محترمة، ومن الخطأ أن نعدّ أسباب عزوف الجزائريين عن زيارة تونس بعد فتح الحدود، فنلصقها بكورونا والتلقيح وغلاء الحُجوز في الفنادق لدى الجيران، ولا أحد يتحدث عن اقتناع الجزائريين بما هو موجود في بلادهم، بعد أن اكتشفوا الكثير من الكنوز خلال موسمي الجائحة، كما أن الحضور القوي للسياح الليبيين والعودة القوية للأوروبيين من أصول جزائرية وما نقلته الصحافة الغربية عن الجزائر، يدعونا للقول إن الجزائر التي اكتشفت مؤخرا بقليل من الجهد، حقولا من البترول والغاز ومن نفائس أخرى، ها هي الآن تكتشف كنز السياحة، وأيضا بقليل من الجهد، وكما أعلنتها “جديدة” في جميع الميادين بسنّ قوانين تجريم مبيد الغابات ومستعمِر الأرصفة والشواطئ والمعتدي على الطواقم الطبِّية الساهرة لأجل صحة المواطنين، حان الوقت لإعلان التربية الجديدة، لردع هؤلاء الذين شوَّهوا صورة البلاد والعباد بالكلام السوقي والفاحش الذي تحوّل إلى لغة لدى الكثيرين، وتجرِّم هؤلاء الذين صنعوا جبالا من القمامة وأودية من مياه الصرف.

لا أحد تصوّر أن يقتنع الجزائري باستعمال حزام الأمان في سيارته، ولكن الردع المستمرّ جعل الجزائريين من أكثر الشعوب وضعا لحزام الأمان أثناء السياقة، ولا أحد مقتنع بأنه سيأتي عليه حينٌ من الدهر لن يسمع فيه كلمة بذيئة في الشارع أو لشباب يرمي ما بيده أو يبصق في الطريق، ولكن الردع المستمرّ سيحوِّلها إلى بلاد نظيفة، بتربية جديدة.. عفوا هي في الحقيقة قديمة وعريقة، عراقة بلاد بن باديس ومالك بن نبي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!