-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التربية لا تتحمّل وحدها مسؤولية الانحراف

خير الدين هني
  • 447
  • 1
التربية لا تتحمّل وحدها مسؤولية الانحراف

جاءت مأساة التسعينيات لتنبت لنا نابتة، ممن فرّخهم أصحاب أيديلوجيات الاستغراب، وأصبحوا ينفثون سموم دعاياتهم المضلِّلة، على أن المدرسة الأساسية مدرسة منكوبة، أنتجت جيلا من الإرهابيين، والحال أن الذين نظّروا لمأساة التسعينيات هم خريجو المدرسة الفرانكوفونية، وليسوا خريجي المدرسة الأساسية، لأن أبناء المدرسة الأساسية عند ظهور هذه المأساة- كانوا على قيد الدراسة في السنتين الأولى والثانية ثانوي على أكثر تقدير، بينما كان أئمة مأساة هذه المرحلة من خريجي الحقبة الاستعمارية أو ما بعد الاستقلال، حينما كان التعليم في طور الازدواجية اللغوية، واللغة الأجنبية كانت هي المسيطرة على المناهج والتوقيت والمواد الأساسية.
وأصحاب نزعة الاستغراب، كانوا عند نقدهم المدرسة الأساسية وسياسة التعريب، يستترون وراء تورية التدليس وتزوير الحقائق وتلفيقها، وهم لا يتوخون من نقد المدرسة الأساسية، إلا تعريب التعليم وأجزاء من المرافق الإدارية، وخوفهم من الاتهام بالخيانة والعمالة للمستعمر، جعلهم يتهمون المدرسة بدلا من التعريب للتغطية والتمويه فقط.
وهاهي المدرسة اليوم تعتمد أشهر مقاربة تعليمية، في التأليف المدرسي وطرائق التدريس، وهي المقاربة المستعملة في كثير من الدول الكبرى، فهل تحسّن مستوى التعليم بأدائه ومخرجاته؟ فدار لقمان على حالها، لأن الإصلاح لم يشل مكونات النظام التعليمي، من تأهيل المؤسسات وهياكل التدريس، ووسائل التعليم والتكييف حرا وبردا، ونظم التقويم والرقابة والمحاسبة والامتحانات الشهائدية، وكثافة الأقسام وتحسين الأوضاع الاجتماعية لرجال التربية.
والمسؤول المباشر على جودة التعليم وتحسين الأداء ومخرجات التعلّم، هو الأغلفة المالية التي تُخصّص للبحث والتربية في ميزانية الدولة، وهي المتعلقة بالتكوين والتأهيل الحقيقي وليس التكوين الشكلي كما هي عليه الحال اليوم، وترقية المؤسسات التعليمية إلى المصاف العليا، التي تنصّ عليها مقاييس الوجاهة المنصوص عليها في المعايير الدولية.
ومسؤولية الإخفاق في تحقيق مخرجات التعليم بمعايير الجودة والإتقان، لا تتحملها التربية وحدها، لأن التربية مُكوِّن فلسفي وتقني وفني، موجود في الأذهان وبطون الكتب والوثائق التعليمية، والإنسان هو من يضفي عليها الحياة بما يوفّره من جدّ وجهد واجتهاد، وعناية واهتمام، ووسائل تكنولوجية وإمكانات مادية ومعنوية، للتعزيز والتحفيز والتشجيع، على خلق الدافعية للإبداع والابتكار من لدن المدرسين والمشرفين والمكونين، فإن غاب اهتمام الإنسان المسؤول- سياسيا وتنفيذيا- عن التربية وعنايته الكاملة بتحسين مخرجاتها، فقدت التربية بريقها وسحرها وأثرها ومردوديتها وفعاليتها، حتى ولو انتهجت المدرسة أحدث الفلسفات، والمقاربات والتقنيات والنظم المبتكرة.
والنسق السياسي بمؤسساته التنفيذية والمالية، هو المسؤول الأول على تحسين مخرجات التعليم وجودة الأداء، بما يوفّره من اهتمام كبير بعوامل النجاح بمزانيات متناسبة، مع النمو الديمغرافي للمتمدرسين وفترات التكوين للمدرسين والمكونين بمؤهلين أكاديميين، وليس بمكونين شكليين على نحو ما هو عليه الحال اليوم، ومرافقة ذلك بوضع معايير صارمة، للتأهيل والتكوين والتدريس والرقابة والمحاسبة والمتابعة.
والذي ينبغي أن يعلمه أنصار الهويات الأجنبية، على حساب الهوية الوطنية، ممن نقدوا المدرسة الأساسية أن اللغة مهما كانت متطورة ومزدهرة، لا ترقى بالعقل البليد إلى مستوى الإبداع والابتكار والاختراع، لأن اللغة تتطور وتزدهر بتطور عقل الإنسان وتفوق مواهبه وقدراته وتكوينه، والغباء والبلادة عمليتان عقليتان لا تنهضان بصاحبهما، من حالة الركود والجمود والتبلّد الذهني، إلى حالة التيقّظ وابتكار النظم والقوانين والنظريات وأساليب الازدهار والارتقاء، والاندماج الفعّال مع الحياة الصناعية والفنية والتكنولوجية.
وما يشهد على صحة هذا الفرض، ما هي عليه حال العرب والأفارقة اليوم، فهم يستعملون أرقى اللغات الأجنبية المتطورة، منذ أكثر من ستة عقود ولكن أحوالهم اليوم بائسة تبعث على الحزن والألم والأسى، انقلابات وحروب أهلية مدمرة، وصراعات على الحكم وضعف في التنمية الصناعية والبشرية، وركود في الاقتصاد واختناق في المديونية الداخلية والخارجية، وفقر مدقع وسخط شعبي غاضب على الأوضاع المتردية وهروب من الأوطان، بسبب مآسيهم في المعيشة، كل ذلك تعكسه الحقيقة المنتكسىة للذكاء المحدود، وليس على شيء آخر مما يروجه أصحاب هويات الاستغراب، وهذا لا يعني الاستغناء عن تعلّم اللغات الأجنبية، فالقول بهذا لا يردده إلا إنسان بليد فاقد للإدراك والرشد، وإنما المراد هو العناية بلغة الأمة أولا، مثلما تفعله الشعوب الحيوية، ثم تأتي اللغات الأجنبية لتوسّع مدارك المواطن، وتجعله يمتلك القدرة على مهارة التواصل مع الشعوب والثقافات المتطورة، كيما يستفيد من خبراتهم وتجاربهم وعلومهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • أبو عبدو

    يريد المعلم تقليص الحجم الساعي و خفض عدد التلاميذ في القسم تقليص كثافة البرنامج على التلاميذ و خير القول ما قل ودل و الابتعاد عن الحشو