الرأي

التفاؤل الكاذب

كان لكلمة يوم الاثنين الماضي”العيد المُعْتَدّ” صدًى لدى بعض القراء الكرام، أعرف بعضهم ولا أعرف بعضهم؛ حيث هاتفني بعضهم، وحدثني بعضهم مباشرة. وكان رأي بعضهم أن تلك الكلمة مُوغِلَةٌ في التشاؤم، وما ينبغي ذلك؛ بل يحسن -كما قال بعضهم- أن تُعْطَى لشعبنا ولأمتنا جرعة من التفاؤل، وكنتُ أرد على الذين يَرْتَأون هذا الرأي أنني أعتبر هذا”التفاؤل” في ظل الأوضاع التي نعيشها داخليا وعلى مستوى أمتنا “تَفَاؤُلاً كاذبا”.

رأى بعض الإخوة أنني مارستُ عملية “تيئيس” و”تقنيط” لأبناء قومي ولأبناء ملتي، ويمنعني من هذا “التيئيس” وهذا “التقنيط” ما أحفظه من نهي الذكر الحكيم عن ذلك، وهو”لاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ”، و”لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ”، وما أعلمه من حديث البشير النذير عليه الصلاة والسلام “إذا سمعتَ الرجل يقول: هلك الناس فهو أَهْلَكَهُم” (بفتح الكاف وضمها)، ولكنني أرفض أن أكون غاشًّا لأهلي ولقومي، بأن أوهِمَهُم أن السَّراب هو شرابٌ، بل أحاول أن أكون ناصحاً أمينا.. وليس من المروءة أن أرى الأمور في أسوإ الأحوال وأصَوِّرَها لهم في أحسنها، وأجعلهم يبنون قصورا على الرمال، ويتعلقون بأوهن الحبال، ويعيشون على خَوَادِع الآمال.

أنا لا أنكر من نفسي هذه النظرة “التشاؤمية”، وكيف لا أكون كذلك وأنا أرى بلدي تتخاطفها كلاب وتنهشها ذئاب؟ وكيف لا أكون كذلك وأنا أرى أمتي تعاني مَكْرَيْن: مكراً داخليا من هؤلاء الأراذِل الذين يسومونها سوء العذاب، بعضهم باسم “التدين المنافق”، وبعضهم باسم “الوطنية المغشوشة”؛ ومكراً خارجيا من تحالف الدين “المصلوب” -المسيحية- مع الدين “الصالب”-اليهودية- ويخدم هذا التحالف حُكَّامٌ رضوا لأنفسهم أن يكونوا آلات مسخرة لحماية مصالح أعداء الأمة في مقابل أن يرضى عنهم أولئك الأعداء فيوصلوهم إلى السلطة، أو يبقوهم فيها تجديداً أو تمديداً.

وددت أن أرى بلدي مرفوع الرأس، وأشاهد أمتي مكرمة عزيزة، ولكن ذلك ليس بِأَمَانِيَّ، فوطني -بسبب سياسة عقيمة- تحسبه يقظا وهو راقد، وتخاله متحركاً وهو راكد، وتظنه نشطاً وهو خامِد، وترى أكثر مسؤوليه كما يقول المثل العربي”كالنخل وما يُدريك ما الدخل”، وقد عقمت عقولهم عن إيجاد حلول حقيقية لمشكلات الوطن فراحوا يشترون سكون الناس بجولات فولكلورية، وإنفاق للمال غير حكيم، وبـ”نُكَتٍ سامطة” يحاولون بها “التسلل” إلى قلوب الناس دون جدوى. أما العملة الرائجة في الوطن فهي الكذب، والنفاق، والتملق، والتزوير، والتآمر، والرشوة، والجهوية، والسرقة، وانتهاك القانون، والحڤرة، وما أستحي من قوله..

وأما أمتي فلا أقول فيها -وأنا منها- إلا ما قاله أحد الأعاجم أراد أن يلعنها من محيطها إلى خليجها، ولم يكن يعرف كلمتي”محيط” و”خليج”، فقال: “يَلْعَنْ هِيكْ أمة من الميَّة للميَّة” أي من الماء للماء..

ومن رأى في هذا الكلام تشاؤما فيتأمل وجود حُكّامِنا، ولْيُجِل نظره في أوضاع بلداننا، فسيرى ما يشيب الغربان، ويُنطِق في المهود الصبيان، بل ويُخرج الموتى من الأكفان…

مقالات ذات صلة