-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
شهادات وقصص حقيقية

التنمر بالبدانة… قلوب رهيفة في أجسام ممتلئة

فاروق كداش
  • 1025
  • 0
التنمر بالبدانة… قلوب رهيفة في أجسام ممتلئة

قد نكون تعودنا العيش في مجتمع مليء بالمتنمرين المعقدين، الذين يسخرون من الطويل ويستهزئون بالسمين، يرمون الناس بالطوب والحجر وبيوتهم من زجاج هش صنعتها نظراتهم السلبية إلى الآخرين… ولكن، ألم يحن الوقت لأن نصرخ بأعلى ما يمكن لحناجرنا أن تصرخ: “لا”.. وسحقا لك يا متنمر بغيض… الشروق العربي، تسرد قصص ضحايا التنمر ممن أجسامهم الممتلئة لا تدخل في خانة الجمال، التي ابتدعها ذوو القلوب البشعة.

قصص التنمر بسبب الوزن كثيرة، وقد تكون قد مرت على أي منا في مرحلة معينة من حياته، وقد لا تكون مرحلة في الحياة، بل الحياة كلها لمن يكون وزنه زائدا خلقة، أو بسبب مرض معين، أو بسبب تعاطي بعض الأدوية التي تزيد في الوزن… كل هذا، لا يهم.. ما يهم هاهنا، هو نظرة المجتمع إلى هؤلاء، وكيف تصبح مشكلة صحية أو جسمانية عقدة لا تداويها آلاف الجلسات العلاجية عند النفسانيين. يقول هؤلاء إن البدين قد يفقد وزنه، ولكن بسبب التنمر قد يفقد ثقته في نفسه، قد يجر تلك الكيلوغرامات الوهمية معه أينما كان.

يوميات على كف ميزان

سارة، طالبة جامعية، تتذكر أيام المدرسة الابتدائية، حين كانت تعاني من بعض الوزن الزائد. ورغم محاولات والدتها في وضعها في رجيم خاص، لم تتمكن من خسارة أي وزن، بل خسرت توازنها في مرحلة حرجة في حياتها الطفولية… “عندما يدق الجرس، تبدأ معاناتي، فينعتني هذا بالسمينة، وذاك ببة عجينة، وثالث بسمينة بوحنظز، وغيرها من النعوت..” وتضيف: “لم أكن أفهم كلامهم، كنت أنصرف إلى البيت باكية، غير أن أمي كانت تعيرني وترجع اللوم علي”.

تروي أروى، وهي طالبة في الثانوية، موقفا حفر في قلبها جرحا غائرا: “خرجت مع مجموعة من الصديقات للاحتفال بعيد ميلادي، في مطعم.. غير أنه لسوء الحظ كان إلى جانبنا أربعة شباب، وراح أحدهم يصرخ: إنها تشبه الثور. والثاني صاح: لو كنت مكانك لما خرجت. وثالثهم تعالت ضحكاته وراح يستهزئ بي: اتركوها في حالها، وإلا ستبتلعكم. أما الرابع، فظننته عاقلا، غير أنه انتصب قائما وأمام الجميع قال: كم أكره السمينات، لو كان الأمر بيدي لرميتك في البحر… في دقيقة، انقلب عيد ميلادي إلى دراما. لم أتمالك نفسي ودخلت في وصلة بكاء هستيرية”. وتتابع أروى هذا الموقف المؤثر قائلة: “رغم أن صديقاتي “لموا عليهم” المطعم، ورغم أن صاحب المطعم طلب منهم المغادرة، واعتذر مني شخصيا، إلا أنني لم أتوقف عن البكاء. كان أتعس يوم في حياتي”…

التنمر، بطبيعة الحال، لا يحصد ضحاياه في الواقع فحسب، بل في العالم الافتراضي أيضا، وأظن بلا مبالغة أنه أعلى نسبة وأكثر دمارا، لأن المتنمر يفعل فعلته ويتستر وراء جهازه. وهذا بالذات، ما حدث مع رفيدة، التي تعرضت للتنمر بسبب صورة أرسلتها إلى إحدى الصديقات لطلب مشورتها في فستان اشترته، غير أن هذه الأخيرة وضعت الصورة على الفايسبوك، بعد أن أخفت وجهها بإيموجي، ورغم أنه لم يتعرف عليها أحد، إلا بعض صديقاتها، إلا أن كمية الحقد التي انهالت عليها والتعليقات السلبية التي وصلتها كانت لا تصدق… بعدها، انهارت المسكينة. ولولا تدخل عائلتها لرفع معنوياتها لأصابها انهيار عصبي”.

غير أن هذا التدخل لا يكون موجودا في كثير من الحالات التي تقع فيها صاحبة الوزن الزائد ضحية للتنمر العائلي والمجتمعي والافتراضي، فيتقوقعن على أنفسهن، ويدخلن في حالة اكتئاب حاد وعزلة من الآخرين”.

للتنمر وجوه أخرى

ارتأيت، خلال معالجة هذا الموضوع الحساس، ألا أسأل الناس رأيهم لكي لا أقحمهم في هرطقة من النفاق الاجتماعي، وأسلط الضوء على جوانب أخرى، مثل التنمر الإعلامي ضد البدينات، الذي يختفي وراء قناع الترويج لمعايير معينة من الجمال. وذكرني هذا بما قالته إحدى المذيعات العربيات المشهورات عن كون البدينات لا يرتبطن إلا بالبدناء، ليسا حبا، بل توافق مقاييس”… من الترهات التي تزيد الطين بلة، أن التنمر لا يأتي فقط من الرجال، بل من النساء خاصة في دائرة المحيطين بذوي الأوزان الزائدة. وهذا يحول التنمر إلى جريمة كاملة الأركان، حيث يدفع الضحايا إلى ما لا تحمد عقباه.

في المقابل، تدهشني عادات بعض القبائل في موريتانيا وبعض مناطق صحرائنا، التي تقوم بتسمين البنات قصد تزويجهن، وتسمى بالتبلاج، وهي حمية خاصة من اللحم والحليب كي يزيد وزن الفتاة.. والسبب، اختلاف المعايير الجمالية.. فما يبدو عيبا في الشمال يصبح ميزة مطلوبة في الجنوب.

في الأخير، الحلول معروفة لمن يريد أن يفقد الوزن مع قليل من العزيمة والمثابرة، قد ينفع ذلك، ولكن إن لم تنفع على كل شخص يحمل كيلوغرامات زائدة أن يتصالح مع جسمه، فهو ملكه وحده، ولا يحق لأحد أن يتدخل لإصلاحه على حد زعمه… ولن تكون هذه الكيلوغرامات أثقل من نظرة الآخرين، فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!