الرأي

التيفاشيان

عُقد في 21 ماي الجاري ملتقى في مدينة سوق أهراس عن “دور طلبة جامعة الزيتونة ومعهد ابن باديس في الثورة”، وقد تولت تنظيمه (الرابطة الجزائرية للفكر والثقافة ـ فرع سوق أهراس) بالتنسيق مع مديريتي الثقافة والشؤون الدينية، وقد رعاه سيادة والي الولاية، وكان نجم الملتقى الشيخ الفاضل عمار جوامع الذي لم تُحْوِجْ الثمانون رجليه إلى التثليث، ولم تلجئ أذنيه وحنجرته إلى مضخم صوت، متعه الله بالصحة والعافية ليُخرج ما تختزنه ذاكرته القوية من معلومات كثيرة.

لقد تعمدتُ في هذا اللقاء أن أذكّر بثلاثة من أبناء منطقة سوق أهراس، اثنين منهم كانا محلّ إشادة وتنويه، وثالث كان محلّ تشنيعٍ، فأما الاثنان فهما:

  أحمد بن يوسف التيفاشي، نسبة إلى بلدة تيفاش، القريبة من سوق أهراس،  قد وُلد في تيفاش في 1184م وتوفاه الله في القاهرة في 1253م، وقد نبغ من أسرته في العلم والأدب عدة أفراد منهم والده الذي مارس القضاء، وبعد تلقيه مبادئ العلوم في بلدته انتقل إلى جامع الزيتونة، حيث برع في الأدب والرياضيات، ثم سافر إلى المشرق فزار أقطاره، وعاد إلى وطنه فعُيّن قاضيا في ڤفصة، ثم رأى أن يرجع إلى المشرق مرة أخرى وطاف بفارس والعراق قبل أن يستقر في القاهرة، ويحتل مركزا ممتازا بين علمائها وأدبائها.

وقد ترك أحمد التيفاشي كثيرا من المؤلفات ضاع كثير منها، ومن أهم هذه المؤلفات كتاب “أزهار الأفكار في جواهر الأحجار” وهو من أهم الكتب في الأحجار الكريمة، الذي تُرجم إلى عدة لغات أوروبية، ونُشِر عدة مرات أهمها الطبعة التي نُشِرت في مصر، وقد حققها أستاذان مصريان في علم الجيولوجيا، وكتاب “فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب” في أكثر من أربعين جزءا، وكتاب “الدُّرّةُ الفائقة في محاسن الأفارقة”، وكتبا أخرى، إلى جانب اشتهاره بقرض الشعر بسرعة غريبة.

 محمد بن أحمد التيفاشي الذي دخل التاريخ ببيت واحد من الشعر، حيث أعد قصيدة في مدح السلطان عبد المؤمن بن علي بمناسبة تحريره مدينة المهدية من النورمنديين في عام 555 هـ، ولكن عبد المؤمن أعجبه البيت الأول من القصيدة فاستوقفه عنده وأجازه، وهذا البيت هو :

ما هَزّ عِطفيْهِ بين البِيضِ والأَسلِ         مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي

وأما الثالث فهو المُثلِّث “المُقدَسُ” عند النصارى المُسمّى أغسطين، الذي تحيّز إلى الرومان أعداء قومه، مُحتلي وطنه، وكان شعاره كما ذكر شارل .أ.جوليان هو “روما قررت والملف أغلق”، وقد كان هو وأتباعه في أيدي الرومان سيوفا مُصْلتة في وجوه مواطنيهم من أتباع الراهب دُونَا، المُوحد لله ـ عزّ وجل ـ المؤمن بعيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ بشرا رسولا.

وقد علمت أن أناسا في المنطقة يريدون إحياء ذكرى هذا الشخص تحت دعوى “السياحة الدينية”، ولكن الأغلبية ـ كما أخبِرْت ـ تُعارض ذلك ـ ولها الحق ـ ، لأن تلك السياحة الدينية لن تكون إلا غطاء لممارسة التنصير.

ولا ننسى أن الفرنسيين قد أقاموا في أربعينيات القرن 19 مهرجانا ضخما تحت شعار “لقد عادت بُونة يا أغسطين”، ويقصدون عودتها إلى المسيحية، وكان المهرجان تحت إشراف بوجولا، وإسهام السلطات الفرنسية.

هناك أمر أفرحني وأحزنني وهو أن أغلب السادة الأئمة هم من منطقة أدرار، أفرحني، لأن ذلك مما يفسد عمل شياطين الإنس والجن الذين يفرقون بين الجزائريين، وأحزنني، لأن ذلك يدل على تهاون الإخوة في سوق أهراس في إعداد بعض أبنائهم لهذا الجهاد الديني كما أعدوا بعض أبنائهم للجهاد المسلح.

مقالات ذات صلة