التّدخين.. الانتحار البطيء
يومان ويكون العالم على موعد جديد مع اليوم العالميّ لمكافحة التّدخين، الموافق لـ31 من شهر ماي من كلّ عام. والحقّ يقال أنّ مآسي التّدخين أصبحت تستدعي جهودا حثيثة على مدار العام، لوضع حدّ لهذه الآفة التي أظلمت بسببها القلوب والأرواح واعتلّت الأجساد وأُنهِكت الجيوب.
تشير بعض الإحصاءات أنّ التّدخين هو ثاني أسباب الوفاة في الجزائر، وأنّ 15 ألف جزائريّ يموتون كلّ سنة بسبب التّدخين. في كلّ عام تظهر في بلدنا هذا 8750 حالة جديدة لسرطان الرّئتين الذي يعتبر أوّل سرطان قاتل عند الرّجال، 90٪ من هذه الحالات التي تسجّل كلّ عام، أي حوالي 7875 حالة سرطان، يسبّبها التّدخين!
مهالك التّدخين
تؤكّد تقارير الهيئات والمنظّمات الصحيّة أنّ السّجائر تحتوي أكثر من 4 آلاف مادة مضرّة معروفة حتى الآن، أخطرها القطران والنيكوتين، إلى جانب 43 مادة مسبّبة للسّرطان، وأنواع كثيرة من مبيدات الحشرات، من بينها سمّ يستعمل لقتل النّمل الأبيض، وموادّ تستعمل في صناعة المنظّفات الأرضية! وتؤكّد تقارير خاصّة أنّ السّجائر التي تباع في الجزائر تعتبر من أشدّ أنواع السّجائر سُميّة، حيث تبلغ درجة سُمّيتها 3 أضعاف السّجائر التي تباع في أوروبا! فلا يُستغرب بعد هذا أن يقتل التّدخين كلّ عام ما لا يقلّ عن 15 ألف جزائريّ.
فيا أخي المدخّن!.. هل فكّرت أنّك ربّما تكون من بين الـ15 ألفا الذين يموتون بسبب التّدخين هذا العام أو العام المقبل أو الذي بعده أو بعد 5 أو 10 سنوات؟ ألا تخشى أن تقف بين يدي الله يوم القيامة بكبيرة قتل النّفس المحرّمة؟ ((وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا – وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)) (النّساء: 29- 30).
10 آلاف مليار سنتيم يُنفقها الجزائريون على السّجائر!
يستهلك المدخّنون في الجزائر مليار علبة سجائر سنويا، فإذا كان متوسّط ثمن العلبة الواحدة 100 دينار، فهذا يعني أنّ الجزائريين ينفقون 10 آلاف مليار سنتيم سنويا على التّدخين! أي ما يكفي لبناء ألف مسجد كلّ عام.
والأدهى من هذا والأمرّ أنّ 97٪ من السّجائر المستهلكة في هذا البلد تستورد من الخارج، ولعلّه لا يخفى أنّ الدّول الأكثر إنتاجا للتّبغ هي دول غربية، بينها دول تحارب الإسلام والمسلمين بالليل والنّهار، تأتي في مقدّمها الولايات المتّحدة الأمريكية التي تعدّ ثاني منتج عالمي للتّبغ بعد الصّين، وتسمّم العالمَ بأكثر من 700 ألف طنّ من التّبغ كلّ عام، لعلّ أكثره يوجّه إلى بلاد المسلمين! آلاف الملايير يصبّها الجزائريون كلّ عام في جيوب الأمريكان، ليُحوّلوها بدورهم إلى قنابل تُصبّ على رؤوس المسلمين.
إنّ الأمر ليس بالهيّن أخي المدخّن، فنبيّ الهدى –صلّى الله عليه وآله وسلّم– يقول: (إنّ رجالا يتخوّضون في مال الله بغير حقّ، فلهم النّار يوم القيامة) (البخاري)، ويقول: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع)، وذكر منها: (وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) (التّرمذي).
التّدخين حرام بإجماع العلماء
كثير من إخواننا وآبائنا المدخّنين لايزالون يجادلون في حرمة التّدخين؛ يحمل الواحد منهم في جيبه علبة سجائر كتب عليها بخطّ واضح “التّدخين مضرّ بالصحّة“، “التّدخين يسبّب السّرطان“، ثمّ يجادل ويحاجج في تحريم التّدخين! إنّه لم يعد مقبولا شرعا ولا عقلا أن يتردّد عبد مسلم ولا أن يشكّ في حرمة التّدخين في هذا الزّمان بعد ثبوت أضراره المهلكة والمدمّرة، وبعد إجماع علماء المسلمين من شرق الأرض إلى غربها على تحريمه، وإفتاء بعضهم بأنّ من يموت بأحد الأمراض التي يسبّبها التّدخين يموت منتحرا، أي قاتلا لنفسه عياذا بالله.
قد يقول قائل: ليس هناك نصّ في القرآن يحرّم التّدخين! فنقول: بلى والله، قد جاء تحريم التدخين في القرآن الكريم. ألم يقل ربّنا جلّ وعلا: ((وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيّبَاتِ وَيُحرّمُ عَلَيهِمُ الْخَبَائِث)) (الأعراف: 157)؟ وكلّ مأكول أو مشروب إمّا أن يكون من الطيّبات وإمّا أن يكون من الخبائث، فهل يقول عاقل أنّ السيجارة التي تحتوي أكثر من 4 آلاف مادة كيميائية خبيثة، من الطيّبات؟
تستطيع ترك التّدخين بعون الله
أخي المدخّن.. إنّ الرجولة ليست في سيجارة توضع بين الشفتين، ولا في دخان يخرج من المنخرين. أيُّ رجولة هذه التي تجعلك عبدا ذليلا لِلُفافة لا يتعدّى طولها 10 سنتمترات؟ أيّ رجولة هذه التي تجعلك تريق ماء وجهك وتتسوّل بين زملائك وتمدّ يدك للنّاس من حولك لأجل سيجارة؟ إنّ الرجولة الحقّة هي أن تلزم نفسك ما ينفعها وتمنعها ما يضرّها.
كأنّي بك تتمتم بين شفتيك وتقول: لا أستطيع ترك التدخين. فأقول لك: بلى والله تستطيع لو صدقت. لا شك أنّك سمعت عن كثير ممّن ماتوا بسبب التدخين، لكن بالله عليك، هل سمعت برجل مات بسبب ترك التدخين؟ نعم قد تشعر ببعض الألم في الأيام الأولى من إقلاعك عنه، وهذا الألم سيبدأ بالانخفاض بعد 48 ساعة، ثمّ يزول شيئا فشيئا بإذن الله.
أموال بيع السّجائر حرام سُحت
وأنت أخي بائعَ السّجائر.. أ ترضى أن ينبت لحمك من سحت لتكون النّار أولى به؟ إنّ الله إذا حرّم شيئا حرّم بيعه وشراءه. أترضى أن تبيع أسلحة لمن يقتل الأنفس بغير حقّ؟ أترضى أن تبيع السّموم لعباد الله المسلمين؟ تفرّ من الفقر فتبيع السّموم! إنّ لك رزقا مكتوبا في الحلال فلا تستعجله في الحرام. اتق الله يعوّضْك خيرا. ارضَ بالقليل من الحلال يجعلِ الله غناك في قلبك ويكفِك همّك ويرضَ عنك، ولا تسارع إلى حرام لا يزيدك إلاّ لهفا وتعلّقا بالدنيا. منذ متى وأنت تبيع السجائر؟ هل وجدت بركة أو حلاوة لما تكسب من أموال؟ هل وجدت السّعادة؟ هل وجدت القناعة، أم تراك تشكو الحاجة وتتمنّى المزيد؟ إنّه ما تزوّد عبد من الحرام إلاّ زاده الله فقرا وهمّا وغمّا.. ألا فاتق الله في نفسك. اتق الله في زوجتك وأبنائك. لا تطعمهم الحرام فإنّك مسؤول عنهم بين يدي الله يوم القيامة.. لا تنسَ أخي قول حبيبك المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إنك لن تدع شيئًا لله عزّ وجلّ إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه) (أحمد).