الرأي

التّعليم في خطر!

ح.م

لم يشهد التّعليم في كل مراحله تدهورا كالذي يحدث هذه الأيام، بسبب السّياسات الفاشلة التي اعتمدتها الجزائر، وعدم إعطاء الأولوية لهذا القطاع الحيوي الذي يُقاس به تطور الأمم وازدهارها. إن أول خطيئة في حق هذا القطاع هو المكانة الاجتماعية المتدنية لكل من يشتغل فيه بمن فيهم أساتذة الجامعات، لأن منح راتب شهري لا يزيد عن 150 أورو لأستاذ متفرغ للتعليم هو إهانة له وللعلم وللتلميذ الذي ستستقر في ذهنه الصّورة النمطية للمعلم والأستاذ المعوز الفقير الذي هوت به السياسات الرديئة إلى ذيل المجتمع.

وثمة عامل آخر جعل صورة المعلم تهتز؛ هو الفوضى المسجّلة في مجال التوظيف، إذ تضطر وزارة التّربية إلى فتح المجال لخريجي الجامعات للالتحاق بمهنة التدريس في جميع الشعب دون أن يكونوا مؤهلين لهذه المهمة التي تتطلب حدا أدنى من التكوين في الجانب البيداغوجي. وعلى الرغم من كثرة المدارس العليا للأساتذة التي تخرّج الآلاف سنويا من الأساتذة وكلهم كانوا في الأصل تلاميذ نجباء، إلاّ أن الفوضى والتّسيب لا زالا يميزان العملية بما يؤثر على أداء المؤسسات التربوية.

أما أخطر جريمة ارتُكبت في حق قطاع التعليم، فهي ما حدث قبل أربع سنوات حين تم إلغاء الحق في التعاقد دون شرط السّن، وأُعطيت مهلة سنة أمام العاملين في قطاع التربية وباقي القطاعات للاستفادة من التّقاعد النّسبي قبل وقف العمل به نهائيا، وكانت النتيجة مغادرة عشرات الآلاف من خيرة الأساتذة والمعلمين الذين تجاوزوا الخمسين سنة، إذ أودعوا ملفات التّقاعد وهم في أوجّ عطائهم العلمي والتّربوي، وحُرمت المدرسة من كفاءات راقية ليُفتح الباب أمام خريجي الجامعات للالتحاق بالمهنة دون تكوين.

ويمكن الوقوف على نتيجة هذا العبث الآن في المؤسسات التربوية، بعد أن أُسندت مهمة التّدريس لأساتذة غير مؤهلين علميا وبيداغوجيا. وهي وضعية خلفت أزمات كبيرة مع أولياء التلاميذ الذين استعانوا بالدّروس الخصوصية التي غالبا ما يقدّمها أساتذة متقاعدون لهم خبرة طويلة في الميدان، ومنهم أولئك الذي غادروا القطاع مكرهين بسبب إلغاء التقاعد النسبي.

إنّ أول خطوة لتدارك هذا الوضع الخطير هو التغيير الجذري في طريقة التّعامل الرّسمي مع هذا القطاع، باعتباره قطاعا استراتيجيا تعطى له الأولوية الأولى عند توزيع الاعتمادات المالية، بهدف تحسين الوضع الاجتماعي للمعلم والأستاذ، ومن ثم الاهتمام بالجانب التكويني، أما مؤسسات الشعب التي تمنح الملايير لأندية كرة القدم الفاشلة فإن المؤسسات التربوية أولى بالمال بها.

مقالات ذات صلة