الرأي

الثقافة: عندما يحط الإخوان المسلمون الرحال بالقصر الرئاسي!!

أمين الزاوي
  • 7694
  • 73

حيرة:ماذا حين يصل الإخوان المسلمون إلى سدة الرئاسة في مصر، مصر جمال عبد الناصر الذي أعدم أحد رموز هذا التنظيم السياسي ألا وهو سيد قطب، كان ذلك في 29 أكتوبر1966؟ في المقابل أيضا ماذا حين يجلس رئيس إخواني على كرسي الرئاسة في مصر التي قتلت فرج فودة وحاولت اغتيال نجيب محفوظ؟ يحدث هذا في الواقع وليس في المنام، ومثلكم أتساءل كيف سيتعامل الإخوان المسلمون مع الثقافة والفنون في بلد محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفاتن حمامة وفيفي عبده ويوسف شاهين و…؟

وحين يصل ممثلون عن الإخوان المسلمين إلى تولي أعلى المناصب في هرم السلطة: الرئاسة والبرلمان وبطريقة ديمقراطية وباختيار من غالبية الشعب المصري، هذا الامر يدعونا وبكل حس تاريخي وبكل موضوعية إلى العودة قليلا إلى الخلف للوقوف عند بعض أفكار زعيم هذا التنظيم وأعني به سيد قطب والمرتبطة أصلا بالثقافة والفن والإبداع بشكل عام.

أكيد أن الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي هو من أعرق التنظيمات السياسية في مصر، وهو الفصيل السياسي الذي ذاق كل أنواع القهر والتهميش والقمع والتنكيل من قبل جميع الأنظمة السياسية التي تعاقبت على هذا البلد من اشتراكية وليبرالية وهجينة، أكيد، فأمام ما يحدث في العالم المعاصر من تبدلات وصراعات سيجعل هذا التنظيم وهو يحوز على كل السلط التشريعية والتنفيذية، وأمام الضرورات التاريخية والسياسية والاقتصادية، يغير من مواقفه، وبالتالي اللجوء إلى البحث عن تموقع جديد على المستوى الإقليمي والدولي، وبالتالي إعادة النظر في بعض مرجعياته وربما إدخال بعضها نهائيا إلى متحف التاريخ وإلا ستقوم عليه القيامة قبل الساعة!!

إذا كان كل من الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه “العدالة الاجتماعية في الإسلام” والباحث السعودي ربيع المدخلي في كتابه “العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم” وعبد العزيز سيد الأهل وأنور الجندي في بعض كتاباتهما وغيرهم كانوا إلى جانب الاختلاف والإدانة بل والتشهير بما كتبه سيد قطب، فإن باحثين آخرين من أمثال العشماوي سليمان ونزار التغلبي وحسن حنفي (الذي وصفه بالإمام الشهيد) وأنيس منصور الذي اعتبره (جبلا من الإيمان والصبر واليقين) كان هذا الفريق أقرب إلى التمجيد والتقديس… إذن بعيدا عن خطاب التمجيد أو خطاب الإدانة، بعيدا عن التشهير أو التقديس، بعيدا عن هذه المقاربة التقابلية الازدواجية الذي تمت في ضوئها قراءة تراث المفكر سيد قطب وقريبا من الراهن السياسي أريد أن أعرض تصور الحيرة التي قد يجد فيها حزب الإخوان المسلمين نفسه وهو يواجه المسألة الثقافية وهو يتسلم إدارة مصر بتناقضاتها وأحلامها وماضيها.

اعتمد المفكر سيد قطب مجموعة من المفاهيم التي عليها أسس أطروحاته الفكرية والسياسية والثقافية وهي المفاتيح المركزية لقراءة بنيته الفكرية: الجاهلية، الحاكمية، الجماعة، المنهج. لا أريد الخوض في ما طرحه سيد قطب من تفسيرات لهذه المفاهيم المؤسسة لفكره (أدعوكم إلى العودة لكتاب: سيد قطب، الخطاب والايديولوجيا للدكتور محمد حافظ دياب) ولكني سأحاول أن أعرض مفهومه لـ “الثقافي” وهو ما يشغلني.

لقد بدأ سيد قطب حياته شاعرا حساسا بكثير من الشك والقلق لوجودي يذكرنا في ذلك، إن قليلا أو كثيرا، بقصائد إيليا أبو ماضي، نعثر على هذا الحس في ديوانه الوحيد “الشاطئ المجهول” والذي تبرأ منه لاحقا وعده من آثار الجاهلية على حد تعبيره، كما أن انشغاله لاحقا بالنقد الأدبي كان في مقارباته ومصطلحاته المستعملة كـ (الواقعية، الرومانسية، الكلاسيكية..) قريبا من المناهج الغربية، وللتذكير فإن سيد قطب يعد من بين النقاد الأوائل الذين اكتشفوا الروائي نجيب محفوظ (الحائز على نوبل للآداب) وكان سيد قطب قريبا ومساهما وعلى طريقته الخاصة في تلك النقاشات والخصومات الادبية والفكرية التي وقعت ما بين العقاد والمازني والرافعي وطه حسين وغيرهم.

يرى سيد قطب في الثقافة طيفين متناقضين: ثقافة إسلامية ونقيضها ثقافة جاهلية يقول: “هناك نوعان اثنان من الثقافة، الإسلامية القائمة على قواعد التصور الإسلامي، والثقافة الجاهلية القائمة عل مناهج شتى ترجع كلها إلى قاعدة واحدة….” (معالم في الطريق ص 129).

يتحدد مفهوم الثقافة عند سيد قطب في القرآن الكريم والحديث الشريف وبعض من قيم الصحابة والتابعين ورفض أي مصدر آخر، فحسب رأيه، مثلا، أن أسماء كـ “ابن سينا أو ابن رشد أو الفارابي وأمثالهم، ممن يطلق عليهم وصف (فلاسفة الإسلام)… هي ظلال للفلسفة الإغريقية غريبة في روحها عن روح الإسلام”.

اليوم وحزب الإخوان المسلمين يضع يده وبشكل ديمقراطي على جهاز الحكم وبإرادة أغلبية الشعب المصري، شعب أنتج سيد قطب وأنتج إلى جانبه طه حسين وعبد الرحمن بدوي وعبد الوهاب المسيري وأمل دنقل ونجيب محفوظ ولويس عوض وأحمد فؤاد نجم ونوال السعداوي وأحمد الشهاوي… أنتج أجمل روائع الموسيقى الخالدة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، اليوم، يا ترى، كيف سيتصرف هذا الحزب مع المتنوع والمتناقض دون أن يخون أحد أهم شهدائه ومنظريه ورموز مقاومته التاريخية التي تمتد إلى عشرينيات القرن الماضي وفي الوقت نفسه دون أن يخسر موقعه القيادي؟

مقالات ذات صلة