الجزائر
البعض اعتبرها انقلابا على خط أول نوفمبر

الجدل ما زال قائما حول قرارات مؤتمر الصومام

صالح سعودي
  • 17962
  • 36
ح.م

لا تزال مخلفات مؤتمر الصومام تثير الكثير من الجدل في الأوساط الثورية بمنطقة الأوراس وأماكن أخرى من الوطن، وفي الوقت الذي اعتبره البعض فرصة لوضع الثورة على السكة وإمدادها بنفس جديد وفق أطر تنظيمية ونظامية مضبوطة، إلا أن البعض الآخر وصفها بأنها أول خطوة في الانقلاب على مبادئ ثورة الفاتح نوفمبر، خاصة بعد التغييرات التي حدثت من الناحية القيادية وحتى الإيديولوجية.
أفرزت نتائج مؤتمر الصومام الذي عقد يوم 20 أوت 1956 الكثير من ردود الفعل وسط قيادات معروفة في الأوراس، على غرار عاجل عجول وكاتبه محمد الصغير هلايلي والشهيد عباس لغرور الذي يرى البعض بأنه ذهب ضحية التصفية بسبب مخلفات مؤتمر الصومام، خصوصا أنه عبر عن خيبته من القرارات المتخذة، وكذا تغييب قيادات منطقة الأوراس على الخصوص، وهو الأمر الذي أوقع الولاية التاريخية الأولى في محنة الفتن والخلافات الداخلية، فضلا عن عملية العزل التي استهدفت بعض القيادات، وفي مقدمة ذلك عاجل عجول، والتصفية التي مست العديد من القيادات والمجاهدين البارزين في منطقة الأوراس.

مؤتمر الصومام ومخلفات الأزمة في الأوراس

أرجع المجاهد محمد الصغير هلايلي في بعض كتاباته طبيعة الأزمة التي حدثت في منطقة الأوراس بعد مؤتمر الصومام إلى ما وصفه بالأطماع المختلفة، بناء على أهمية موقعها الاستراتيجي، وكثرة تعدادها الذي جعلها تصبح قاعدة لكل الطامحين إلى الاستيلاء على قيادة الثورة، بعد تأكد انتصارها، وتجسد ذلك الخلاف المدمر حسب وجهة نظره في محنة التشويش بالأوراس الذي كانت بواعثه الظاهرية تنظيمية والباطنية سياسية سلطوية مبطنة. وفي السياق ذاته، يجمع الكثير من المجاهدين وقيادات الأوراس، على أن لمؤتمر الصومام مآخذ كثيرة، واصفين إياه بغير الجامع، في ظل غياب الوفد الخارجي، وغياب المنطقة الخامسة بسبب رفض مسؤولها المباشر بوصوف، ولو أن محمد العربي بن مهيدي طلب تزويده بشهادة توكيل لتمثيل الولاية، وكذا المنطقة الأولى (الأوراس)، وهو ما يعني حسب محمد الصغير هلايلي أن المؤتمر اقتصر على 3 مناطق وأطراف سياسية جديدة على الثورة مكنها من الاستيلاء على قيادتها رغم تأخر انضمامها إلى الثورة لأكثر من عام، فضلا عن عدم حضور بعضهم جلسات المؤتمر، مثل يوسف بن خدة وسعد دحلب، وهو إجراء لم يكن مستساغا حسب هلايلي مهما كانت المبررات.

تحفظات إيديولوجية وحملة تصفية ولجنة التنسيق والتنفيذ في قفص الاتهام

تجمع بعض الأوساط التاريخية على أن مؤتمر الصومام خلف عدة قرارات كان لها تأثيرات تسببت في تغيير الاتجاه الإيديولوجي للثورة من اتجاه عربي إسلامي إلى علماني ذي اتجاه غربي، فضلا عن التحفظات حول إسناد مهمة إعداد أرضية وثائق المؤتمر إلى السياسيين وحدهم بإشراف السيد أوزقان دون مشاركة المناطق الحاضرة، وهي التحفظات التي تركت أثرها في نفوس الأوراسيين حسب شهادة الرائد محمد الصغير هلايلي، وقيادات أخرى من خارج الولاية، بدليل التصريحات التي أدلى بها العقيد عمار بن عودة الذي سبق له أن انتقد توجهات مؤتمر الصومام التي وصفها باللائكية والعلمانية، معتبرا ما حدث بالفضيحة، كما أن قرارات المؤتمر كانت في نظر البعض مأساوية على إطارات الولاية الأولى، حيث استهدفت عقوبة العزل من المسؤوليات التي تقلدوها بتزكية من القائد مصطفى بن بولعيد، من ذلك ما حدث لعباس لغرور ورفقائه الـ 14 الذين تمت تصفيتهم رغم ماضيهم الثوري المشهود له. وإذا كان الكاتب الشخصي للشهيد عميروش العقيد الراحل حسين بن معلم قد أعطى عدة مبررات حول مخلفات مؤتمر الصومام ودواعي إرسال عميروش إلى منطقة الأوراس، وعدم وجود نية لتصفية عجول، إلا أن الكثير من الأوراسيين وصفوا زيارته بالفاشلة، كما تسببت في تأزم الوضع، وكانت النتيجة دخول منطقة الأوراس في “محنة التشويش” وصلت إلى حد وقوع معارك بين أطراف محسوبة على الجبهة وأطراف أخرى على الجيش، في الوقت الذي حمل الكثير مسؤولية تأزم الوضع للجنة التنسيق والتنفيذ التي لم تتحل في نظرهم بالحكمة لتسوية الخلافات الحاصلة بعد مؤتمر الصومام.

الباحث صالح لغرور: “قرارات الصومام أول انقلاب في تاريخ الجزائر”

صحفي"الشروق"مع الباحث صالح لغرور

قال الباحث صالح لغرور في حديثه إلى “الشروق”: “لقاء الصومام كان منعرجا هاما في تاريخ ثورتنا بسلبياته وإيجابياته، فاللقاء أو المؤتمر أسس لأول مرة قيادة مركزية للثورة، لكنها بالنسبة إلى الثوار في الداخل وفي الميدان أصبحت هذه المركزية عبئا ثقيلا، كما أنه أعطى تنظيما جديدا للمناطق سياسيا وعسكريا، هذه القرارات التنظيمية معروفة، أما السلبيات أو ما سيتسبب في أزمة القيادة التي لم يتعرض لها المؤرخون ببعض التفصيل باستثناء محمد حربي الذي أشار إليها في بعض كتاباته، هو أن اللقاء عقد دون استشارة ومشاركة بعض الأطراف الأساسية التي بادرت إلى العمل المسلح وفرضت وجود الثورة في الميدان، وهي أساسا المنطقة الأولى أوراس النمامشة، فالقضية ليست فقط في عدم الحضور، بل في عدم استشارتها بخصوص مشروع عقد اللقاء. يكتب العديد من المؤرخين والملاحظين أن اللقاء كان لا يعقد في نفس الظروف وفي نفس المكان لو لم يعلم كريم بلقاسم باستشهاد بن بولعيد، والمؤسف أن بعض الفاعلين يكتبون أن قادة المؤتمر كانوا يجهلون خبر استشهاد بن بولعيد، ومن بين السلبيات أيضا عدم مشاركة قادة الثورة في الخارج وممثلين عن الجالية الجزائرية في أوروبا التي نعرف دورها المادي والبشري في دعم الثورة، وهنا لا أدخل في تفاصيل أخرى حول الجدل المثار حول ممثل المنطقة الخامسة. هناك سلبيات أخرى حسب رأيي تتمثل في المركزية المفرطة التي قررها اللقاء، التي لا تتماشى وتقنيات حرب العصابات المفعول بها، خصوصا أن وسائل الاتصال كانت بدائية بالنسبة إلى الوسائل الحالية، أضف إلى ذلك الخطأ الإيديولوجي إن صح التعبير، وهو الانحراف عن أحد المبادئ الأساسية لبيان أول نوفمبر، وكذا التصنيف في مرتبة قادة الداخل والخارج، وأولوية السياسي على العسكري، ثم ظهور قيادة جديدة أغلبيتها من غير المبادرين للكفاح المسلح، بل منهم من كان ضده، لذا اعتبر لقاء الصومام كما اعتبره بعض الفاعلين، أول انقلاب في تاريخ الجزائر. أما الانعكاسات على مستوى الولاية الأولى، فنلاحظها عبر ما آلت إليه الولاية بعد مؤتمر الصومام، وتزامن ذلك مع استشهاد بن بولعيد الذي كان الممثل أو الرابط الوحيد بين منطقة الأوراس وباقي قادة الثورة، ما أدى إلى عزل قادة الولاية (بقرار على الورق)، إضافة إلى إرسال مبعوثي لجنة التنسيق والتنفيذ نحو الأوراس، بعضهم حاد عن مهمته واتجه إلى تونس، والبعض استشهد، أما المبعوث الوحيد الذي وصل إلى الأوراس فلم يقم بمهمته كما ينبغي، بل كان سببا لأكبر أزمة قيادة عرفتها الولاية الأولى، تلتها تصفية أكبر وأكفإ إطاراتها من القيادات والمجاهدين، هذه التصفية أدت إلى” تحويل مجرى الثورة “كما كتب محمد حربي”.

الدكتور رابح لونيسي: “يخطئ من يريد إقناعنا بأن الأوراس أقصي عمدا من مؤتمر الصومام”

في المقابل كان للدكتور رابح لونيسي كلام آخر، حيث قال في تصريح خص به “الشروق”: “في الحقيقة يعلم الجميع أن الأوراس، وكذلك الوفد الخارجي لم يشاركا في مؤتمر الصومام، فإن كان البعض يريد إقناعنا بأن الأوراس قد أقصي من المؤتمر عمدا، فهو غير صحيح على الإطلاق، لأنه من غير الممكن إقصاء منطقة تعد المركز الرئيس للثورة، بل ما وقع هو عندما أرسلت الدعوة إلى الأوراس للمشاركة كان بن بولعيد رحمة الله عليه قد استشهد، ووقعت الرسالة في يد أخيه عمر بن بولعيد الذي جاء إلى المؤتمر، ووجده قد انتهى، فأراد استغلال ذلك لتنصيب نفسه على رأس الأوراس، ولم يعلم المؤتمرون باستشهاد بن بولعيد إلا على يد أخيه، خاصة أن بن بولعيد عين كعضو في المجس الوطني للثورة، ويعود عدم معرفة ذلك إلى إخفاء استشهاده خوفا من التأثير على معنويات الثورة كما كانت الاتصالات معقدة آنذاك، أما المسألة الثانية وهي القول بأن مؤتمر الصومام قد انعكس سلبا على الأوراس، ووقعت تصفيات، فعلينا أن نشير إلى أن الثورة قد عرفت صراعات قبل مؤتمر الصومام في عدة مناطق ومنها الأوراس بعد تصفية شيحاني بشير التي تعد أول تصفية لقائد كبير في الثورة على يد إخوانه، وقد تم ذلك قبل هروب بن بولعيد من السجن وقبل عقد مؤتمر الصومام بعد شهور، واحتدم الصراع أكثر في المنطقة حول خلافة الشهيد بن بولعيد الذي كان كاريزماتيا وجامعا، مما دفع المؤتمرين في الصومام إلى إرسال وفد لحل ما سمي آنذاك بمشكل الأوراس، إضافة إلى مشكل انفصال ما سمي في ما بعد بالقاعدة الشرقية بقيادة بوقلاز عن الأوراس، تولى عميروش حل المشكلة بسعيه للتقريب بين وجهات النظر أدت إلى مشاكل أخرى، ولعله مال إلى طرف على حساب طرف آخر بسبب المعلومات التي كان يتلقاها، وهو ما أدى إلى هروب عاجل عجول خوفا من إعدامه بعد ما اتهمته أطراف في الأوراس بأنه وراء تصفية بن بولعيد، كما يمكن أن يكون تعيين محمود شريف قائدا على الأوراس ، وهو من الهاربين من الجيش الفرنسي خطأ كبير، ويمكن أنه أضر بنفسية بعض مجاهدي المنطقة، وهو ما سيظهر في ما بعد من محاولات محمود شريف تصفية بعض الأوراسيين الذين عارضوه عندما أصبح عضوا مؤثرا في لجنة التنسيق والتنفيذ إلى جانب العقداء كريم بلقاسم وبن طوبال وبوصوف وأوعمران، ويأتي على رأسهم تصفية الكومندان حاج علي بعد تعذيبه في المغرب متهمين إياه بأنه يتآمر مع عبان، لكن في الحقيقة هي عملية انتقام نفذها بإتقان العقيد محمود شريف، أما ما وقع في تونس من تصفيات فقد كان بسبب الفوضى التي عرفتها الثورة هناك، وطلب بورقيبة فرض الأمن، وإلا تخلى عن دعم الثورة، ونشير إلى أن هذه الصراعات قد غذاها أحمد محساس بدعم من بن بلة الذي أراد لعب ورقة منطقة الأوراس القوية لمواجهة أرضية الصومام وقراراتها، ونشير إلى أن مجاهدي الأوراس قد انقسموا إلى مؤيد للصومام ومعارض له، ونشير في الأخير إلى أن كل هذه التراكمات هي التي أدت إلى انتفاضة العقيد لعموري وإخوانه في ما بعد أو ما يسمى بقضية العقداء أو قضية لعموري في 1958، وهذا موضوع آخر يحتاج إلى تفصيل أكثر”.

الدكتور مختار هواري: “مؤتمر الصومام قزّم الأوراس وموقف لجنة التنسيق كان راديكاليا”

أما الدكتور مختار هواري من قسم التاريخ، جامعة باتنة 1، فيرى أن قرارات مؤتمر الصومام أُعدت لتكون وثيقة تسهم في تنظيم الثورة وخلق مؤسسات للتعامل مع الخارج، ومع المؤسسات الفرنسية إن اقتضى الأمر، معتبرا في السياق ذاته أن مؤتمر الصومام فيه مطبات كثيرة، وقال الدكتور مختار هواري في هذا الجانب: “ليكون جامعا لابد من مشاركة كل الولايات والوفد الخارجي، ليس حضورا فحسب، بل حتى من حيث التحضير، وليس كما حدث، بحكم أن وثيقة الصومام كانت من نسج فئة صغيرة منها اليساري أوزقان، وهو ما طرح تحفظ ورفض بعض من كانت توجهاتهم إسلامية محافظة. كما أن وضع أولوية السياسي على العسكري والداخل على الخارج فُهم في الأوراس على أنه سحب للبساط من الرعيل الأول الذي فجّر الثورة وفتح الطريق أمام المركزيين والبيانيين لمسك زمام الأمور، وأولوية الداخل هو إبعاد للوفد الخارجي، خاصة بن بلة حليف منطقة الأوراس، لذلك كان هناك رفض من البعض، وأصبح في الأوراس رافض مثل عايسي مسعود كموقف سياسي، وقابل له كموقف سياسي كالحاج لخضر وحيحي ولعموري. والواضح أن ما وقع من أحداث عزز موقف الرافضين لقرارات الصومام، بدءا بعدم إعطاء الأوراس مكانته في التمثيل، سواء في لجنة التنسيق والتنفيذ، أم في المجلس الوطني رغم رصيدها العملياتي، بل أكثر من ذلك الإساءة إليها بترشيح محمود الشريف البياني الذي كان حديث العهد بالثورة، وإبعاد الرعيل الأول كعاجل عجول وعباس عباس والحاج لخضر وشريط لزهر وغيرهم. وقد تدخلت أطراف خارجية كان يهمها اشتداد الصراع في المنطقة لإضعاف قوة الثورة، خاصة بورقيبة وجمال عبد الناصر لدواعي التموقع والاستعلامات الفرنسية ودعايتها، وكان بالإمكان التقليل من حدة الخلافات وتقريب وجهات النظر حول مقررات الصومام لتجنيب المنطقة كثيرا من الدماء، لكن لجنة التنسيق والتنفيذ ذهبت إلى الحل الراديكالي، وهو تصفية قادة الأوراس خاصة ما حدث في تونس لجيل من الثوار المميزين”. كما أشار الدكتور مختار هواري إلى نقطة التنظيمات الجديدة، خاصة ما مس أوراس النمامشة في رسم المناطق، حيث ألحقت بعض المناطق بولايات أخرى مثل سطيف، مقابل إنشاء القاعدة الشرقية، أما الصحراء التي كانت امتدادا للأوراس فقد استحدثت بها ولاية سادسة، وعين فيها ملاح، ما جعل البعض يتساءل حسب محدثنا كيف لمنطقة واحدة (وهي الثالثة) تتموقع بشكل جيد في المؤسسات القيادية وحتى في المناطق، من خلال تعيين أوعمران في المنطقة الرابعة خلفا لبيطاط والصحراء لملاح، أي 3 مناطق من ستة. وختم الدكتور مختار هواري تصريحه إلى “الشروق”: “مهما يكن فإن السياق التاريخي يقتضي منا أن ننظر إلى الأشياء من منظور إنساني وفي سياقه الزمني، فاجتهاد هؤلاء أو هؤلاء هو عمل بشري قد يؤدي إلى أخطاء، ولا يمكن إدانتهم إلا في حالات الخيانة إن وجدت الأدلة الدامغة”.

مقالات ذات صلة