الجزائر
باحثون وأكاديميون لـ"الشروق":

الجزائريون نجحوا في حراك سلمي أسقط الاستبداد والاستفزاز

صالح سعودي
  • 1380
  • 5
ح.م

أجمع الكثير من الأكاديميين والمتتبعين بأن الحراك الشعبي الذي ختم عامه الأول، كان محصلة الاستبداد والاستفزاز الذي عانى منه الجزائريون، وهذا بسبب الممارسات الخفية والمكشوفة التي قامت بها زمرة الفساد التي أرادت فرض العهدة الخامسة، رغم الوضع الصحي للرئيس السابق، ناهيك عن الاختراق الدائم للدستور، ما خلف صدمات متتالية أرغمت الجزائريين على الخروج إلى الشارع للمطالبة بالتغيير.

أكد الدكتور لزهر وناسي من جامعة باتنة 1 بخصوص تطورات الحراك الشعبي على ضوء خرجة العهدة الخامسة، هو أن دعاتها استهدفوا بالأساس احتقار قيمة الذكاء الجمعي للجزائريين، وهذا من خلال الإمعان في تصوير رضاهم عن واقعهم المرير وتعايشهم مع مخرجات الفشل في تسيير شؤونهم العامة منذ العهدة الرابعة، وركونهم إلى “المانستريم” الذي تصنعه السلطة وأنظمتها الإعلامية والسياسية ونخبها الفاسدة، حتى تأكد لديهم أنه لا مناص من العبور إلى الخامسة بكل وثوقية، لأنه حسب محدثنا وقع لديه بمرتبة اليقين أن الجزائريين لا قبل لهم بمقاومة أو معارضة دعوتهم بعد ما عم الفساد أفقيا وعموديا.

العهدة الخامسة.. الفتيل الذي أشعل النار

وقال الدكتور لزهر وناسي لـ”الشروق”: “أكبر عنف مارسته العصابة هو استهداف قيم المجال العام للجزائريين، وفي مقدمتها قيمة الذكاء الجمعي”.. كما اعترف الباحث طارق رقيق أنه قبل الإعلان عن ترشح الرئيس السابق للعهدة الخامسة لم يكن إجماع عام في الشارع الجزائري على أن ذلك سيحدث فعلا، بل هناك إجماع خفي على أن النظام يتمتع بقدر من “الذكاء” يمنعه من الاستمرار برئيس مقعد لم يخاطب الشعب منذ أكثر من خمس سنوات، وأن الاستمرارية حسب محدثنا ستكون بمترشح جديد، لذلك فإن الترشح لعهدة خامسة – يقول طارق رقيق – شكّل صدمة في الشارع الجزائري، وخلّف رؤية مشتركة لسرقة وطن بكامله والاستمرار في احتكاره، وسرقة طموحات وأحلام الشباب، واستمرار الأبوية المطلقة التي ترفض احترام دورة الحياة، وتشتغل على منطق الأنا والأنانية، وهي العناصر التي شكلت عنفا معنويا كبيرا على الشعب حسب الأستاذ طارق رقيق، ما دفعه لثورة سلمية قالت بوضوح أن الحراك ليس ضد الوطن ولكنه ضد النظام المرفوض بجميع أشكاله ووجوهه وتبعاته المستقبلية .

على صعيد آخر، أوضح الدكتور نور الصباح عكنوش من قسم العلوم السياسية بجامعة بسكرة أن الشعب الجزائري تعرض لعنف بنيوي مورس عليه فكريا وبيداغوجيا بنوع من القهر، فالبوتفليقية حسب قوله تمظهرت كنظام سياسي مؤثر سلبيا على الصحة النفسية للشعب، وهذا من خلال عمليات منهجية للتخويف وبالأمراض الوهمية وبالإشاعات، وأيضا بالصورة أو “الكادر” كأبشع أشكال الاستفزاز.

وقال الدكتور نور الصباح عكنوش في هذا الجانب: “لقد تم استهداف العقل والذكاء الوطني بنوع من الاستغباء للشعب، وبغيرها من ممارسات الإلهاء للرأي العام الذي كان رهينة لعصابة اختطفت وعيه الحضاري وثقته بنفسه وحولته إلى كائن استهلاكي سلبي وتابع للآخر..”، وأضاف عكنوش بالقول: “لقد عانى المجتمع من الاغتراب داخل خطاب سلطوي منغلق، وعانى من التغريب داخل منظومة تربوية ومالية وحياتية مستوردة من قيم الغرب ومفروضة عليه عنوة… والنتيجة ما وصلنا إليه من تفكك قيمي وأخلاقي خطير…”.

 الأوليغارشية جنت على نفسها.. والحراك تحصيل حاصل

ويذهب أكاديميون إلى وصف مسار الحراك الشعبي بأنه يمكن تصنيفه في خانة تحصيل حاصل، واعتباره من مخلفات رد الفعل على القهر الذي مورس على الجزائريين، وفي هذا الجانب يرى الدكتور إبراهيم بوزيد من قسم علم الاجتماع بجامعة أم البواقي أن الشعب الجزائري تركت فيه الثورة التحريرية آثارها وجعلته لا يقبل الاستعباد ولا الخضوع، وحسب قوله فإن دوافع الحرية مرسومة بداخله يحركها أي استفزاز.

وقال المتحدث في هذا الجانب: “ما نشهده منذ عام من حراك وثورة ضد تعسف عصابة من أصحاب المال الفاسد الذي سيطر أصحابه على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية وأوصدوا كل مصادر الاعتلاء، وهو ما حرك مشاعر التحرر، ودفع بالشعب إلى الشارع بأسلوب حضاري يعبر عن تجربة عميقة”، فآمال الشعب الجزائري حسب محدثنا مرتكزة على عمل ديمقراطي وأسلوب حضاري ودولة المؤسسات، وهو ما افشل المشروع الاستهدافي الذي قادته العصابة الليبرالية الأوليغارشية، خاصة بعد تلاحم الشعب مع قيادته العسكرية.

وأجمع باحثون وأكاديميون على ضرورة تثمين وتوجيه وتفعيل الحراك بغية الحسم في أبرز النقاط والمطالب التي يسعى إلى تجسيدها، وفي هذا الجانب يقول الدكتور لزهر وناسي أنه يجب تثمين الحراك وما نتج عنه على الصعد النفسية والسياسية للشعب الجزائري الذي بفعل حراكه أعلن القطيعة مع الفساد السياسي الذي هو واجهة كل فساد يأتي بعده، وفي السياق ذاته، يرى الدكتور نور الصباح عكنوش أن الحراك مطالب بحماية الجيش والجيش مطالب بحماية الحراك ضمانا لاستمرار واستقرار الدولة الوطنية، خاصة وأن الرهانات والتحديات حسب قوله كثيرة.

مقالات ذات صلة