-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رؤية استشرافية من أجل الجزائر

الجزائر التي تقول “لا”…

محمد سليم قلالة
  • 4078
  • 13
الجزائر التي تقول “لا”…

منذ أقل من سنتين اعتقدنا بالفعل أن الجزائر ستتجه نحو الاستثمار في الطاقات المتجددة التي من بينها الحرارية والشمسية والناتجة عن الرياح… الخ، وأنها ستقول “لا” للعودة من جديد إلى اقتصاد الريع.. فإذا بها تسلك مسلكا آخر يعيدها إلى نقطة الصفر، يعيدنا من جديد إلى أحضان الريع، ولو على حساب أجيال قادمة، ولو على حساب ملايين الجزائريين الذين يعيشون في جنوبنا الكبير…

 صادقت الجزائر يوم 28 ديسمبر 2011 بمرسوم رئاسي نُشر بالجريدة الرسمي بتاريخ 18 جانفي 2012 على النظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، حيث أكدت القلقمن العواقب السلبية الخطيرة المترتبة على استخدام الوقود الأحفوري والاستعمال غير الفعال للكتلة الحيوية بالنسبة إلى الصحة“. وعززت موارد الصندوق الوطني للطاقات المتجددة بما يساوي 1 بالمائة من مداخيل المحروقات. وكثّف المسؤولون الحديث عن كون إنتاجنا من المحروقات لن يكفي لسد حاجاتنا الوطنية بعد سنة 2030… واعتقدنا أننا بصدد العمل وفق رؤية مستقبلية متكاملة تريد أن تستبق مرحلة ما بعد البترول، فإذا بنا نعلم عبر شاشات التلفزيون يوم 21 ماي 2014، ومن غير سابق إعداد، أن رئيس الجمهورية أعطى موافقته للشروع في استغلال الغاز الصخري، مدخلا الجزائر ضمن مسار آخر غير الذي كانت تتحدث عنه من قبل، مسار البحث عن ريع جديد لأجل البقاء، بدل اغتنام الفرصة السانحة لاختيار الطريق الأسلم الذي يعيد الاعتبار للعمل والذكاء والاعتماد على الجهد الذاتي بعيدا عن رحمة الآخرين أعطونا أو منعونا

هذا الموقف أكد مرة أخرى غياب رؤية متكاملة لجزائر الغد.. غياب رؤية استشرافية حقيقية. وأبرز أن تسيير البلاد يقوم على الآنية والبحث عن الحلول السهلة والربح السريع، وعن أنانية لا حدود لها في التفكير في الحاضر الشخصي بدل المستقبل الذي يهم كل الأجيال..

  ما الذي جعلنا لا نفكر كبقية الدول التي اختارت هذا الطريق عن قناعة أو رفضته عن علم؟ ما الذي منعنا من فتح نقاش واسع حوله لنرى جانبي المساوئ والمحاسن بطريقة موضوعية ومن دون وصاية من أحد؟ ما الذي أدى بحكومتنا إلى التصرف بأحادية في مسائل ذات بعد استراتيجي ولها علاقة بمستقبل أجيال بكاملها؟

لا نتصور بأن المسألة تزيد عن كونها أكدت الأسلوب الذي تُحكم به الجزائر، القائم على إرضاء الطرف الخارجي بقولنعمحتى ولو كان ذلك على حساب كل الشعب الجزائري الذي يريد أن يقوللا“..

هل يخدم هذا القرار الاقتصاد الوطني أم يخدم مصالح القوى الدولية وبخاصة الولايات المتحدة وفرنسا؟

يبدو لنا بوضوح أن الطرفين الأمريكي والفرنسي هما الرابح الأكبر في مثل هذه العملية: الأول يريد لشركاته وبخاصةشركة غاز فرنساأن تجعل من الجزائر حقل تجارب لاستخراج مثل هذا الغاز أو الزيت بعد أن رفض الرئيس الفرنسي ورفض معظم أعضاء الحكومة الفرنسية والرأي العام الشروع في تجارب لاستخراجه في بلادهم قبل أن تتأكد فعالية التكنولوجيا المستخدمة، والاطمئنان التام إلى غياب كلي للمخاطر التي قد تهدد البيئة أو طبقة المياه الجوفية.. أما الثاني، فقد تأكد من أن الشركات المستثمرة في الغاز الصخري قد خسرت منذ 2010 ما يزيد عن 136 مليار دولار، بحسب ما كشفه المجمع المالي الأمريكي بلومبارغ Bloomberg وأراد البحث عن إقليم آخر للقيام بالتجارب للشركتين العملاقينبي بيوشلاللتين توقفتا عن استخراج الغاز الصخري من صحراء تكساس وبنسلفانيا نتيجة التكاليف العالية لذلك، ونتيجة استهلاك الآبار التي حُفرت في تكساس والمقدر عددها بـ 40 ألف بئر لأزيد من 370 مليون متر مكعب من الماء وهي ثروة لم يعد بالمقدور الاستمرار في تبديدها.

وكان من نتيجة تلاقي مصالح الشركات الفرنسية والأمريكية أن أصبحت بلادنا مرة أخرى حقل تجارب لهذه التكنولوجيا الجديدة في مجال استخراج الغاز أو الزيت الصخري. لا يهم إن تسببت في كوارث بيئية أو في التأثير على أكبر خزان مياه في العالم المدفون في قلب الصحراء. المهم أن تحقق الشركات الأمريكية والفرنسية وغيرها مزيدا من الأرباح، وأن تنجح تجاربها الجديدة، كما نجحت التفجيرات النووية الفرنسية في رڤان وغيرها ومكنت الفرنسيين من تدارك تأخرهم في المجال النووي في تلك الفترة

لا يهم بعد هذه المرحلة أن تستخدم هذه الوسيلة أو تلك في صحراء الجزائر: عن طريق غاز البروبان الذي يفجر الصخور من الداخل ويمكن الغاز من الانفلات، أو عن طريق الصعق الكهربائي لتحطيم الصخور وتحقيق نفس النتيجة، أو عن طريق التحويل الحراري الذي يقوم بتبريد الصخور ثم تسخينها لتنفجر من الداخل وتسمح للغاز بالانفلات، أو عن طريق التفجير بزرع مواد متفجرة في أماكن محددة تسمح بشق الصخور الباطنية وبتحرير الغازات التي بداخلها، أو عن طريق حقن الصخور بمواد كيماوية كالهليوم وثاني أكسيد الكربون التي تفجر الصخور هي الأخرى عند التسخين وتسمح للغاز بالانفلاتأو بواسطة طرق أخرى لم يُكشف عنها بعد؟

لا يهم أي طريقة تُستخدم، وليس من حق سكان عين صالح أو تمنراست أو إيليزي أو المنيعة أو أدرار أوتندوف أو جانت أو غيرها من الأماكن حيث توجد طبقات الغاز الصخري، فَهم ذلك أو قوللاإذا أرادوا..

القرار قد اتخذ، وليس من حق أحد أن يعرف التفاصيل المتعلقة بما سيحدث للطبقات الجيولوجية، لإمكانية

تسرب الغازات السامة إلى طبقة المياه الجوفية وتلويثها، لزيادة هشاشة طبقات معينة مما يؤدي إلى انزلاقات  أو زلازل

ليس من حق سكان هذه المناطق، ناهيك عن كل الجزائريين، مناقشة هذه المسائل نقاشا واسعا لصوغ رؤيتنا المستقبلية في مجال الطاقة كما في مختلف المجالات؟ فما بالكم بقوللا“.

 لماذا لا نسمح للخبراء بمقارعة الحجة بالحجة سواء من النواحي التقنية المتعلقة بطرق الاستخراج، أم من ناحية الجدوى الاقتصادية، أم من ناحية الأبعاد الجيوـ استراتيجية، أم من ناحية الأبعاد السياسية والاجتماعية؟

لماذا نفرض وصاية على ملايين الجزائريين ونقرر بدلهم في مجالات لا تخصهم وحدهم بل تخص كافة أبنائهم وأحفادهم؟ هل نحن أفضل من نصف الشعوب الأوربية التي رفضت استخراج الغاز الصخري أو هي بصدد التريث بشأنه ومن بينها إيطاليا وفرنسا وأيرلندا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وروسيا وفنلندا والنرويج والبرتغال؟ وهل سألنا أنفسنا كيف ولماذا وافقت الدول الأخرى على استخراجه مثل بريطانيا وإسبانيا وتركيا وأغلب الدول الشرقية المحيطة بروسيا؟

أليس من واجبنا أن نناقش جميع خصائص الوضع ونصل إلى تقدير ملائم للموقف قبل اتخاذ أي قرار؟

يبدو أننا لم نتصرف على هذا النحو بل فضلنا الهروب إلى الأمام بدل القيام بتقييم دقيق للموقف ضمن رؤية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع أبعاد المسألة، قبل  اتخاذ أي قرار؟

لقد كان بإمكاننا أن نستغل فرصة اقتراب نضوب المحروقات أو قِلّتها للتراجع عن سياسة الاعتماد على الريع، والشروع في بناء عقل جزائري جديد يقوم على تقديس العمل، وعلى إنتاج الثروة. ومازال بإمكاننا ذلك لو عطّلنا مثل هذه الخيارات لعشرين سنة قادمة، إلى حين التمكن من التحكم في المعارف التي تُستخدم في مثل هذه التكنولوجيات، وإلى حين إعادة بناء اقتصاد وطني مستقل عن البقاء باستمرار رهينة ما يستخرجه لنا الآخرون من باطن الأرض، اقتصاد قائم بذاته، على ثرواته الكثيرة وبخاصة ثروة  أبنائه العلمية والفكرية.. بإمكاننا أن نفعل ذلك إذا ما قمنا بالخيارات السياسية المناسبة، وعززنا موقفنا التفاوضي إلى حين نستطيع أن نقول “لا” في الوقت الذي نريد، و”نعم” في الوقت الذي نريد أيضا. أما الآن فينبغي أن نقول “لا” حتى وإن كنا ضعفاء، وذلك هو ما يفعله مواطنون شرفاء في جنوبنا الكبير..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
13
  • الزعفان

    الدولة عندها عدت خيارات لكن تسيير من طرف ناس بهاء و ااغبياء
    لا للغاز الصخرى فى عين صالح

  • بدون اسم

    أنتَ مخطئ يا أخي المسئولون كلهم يعرفون ويعرفون حق المعرفة. ولولم يكونوا يعرفون لما فعلوا ذلك.

  • حسين الابراهيمي

    السلام يا استاذ لا تنسى ما يلي:كما تكونوا يولى عليكم نحن اخترنا و قبلنا و صفقنا و انتخبنا لما الندم الان فلا ينفع هؤلاء هم منتوج جزائري بتوابل فرنسية التي لم تفلح في شيء الا التعدي على الابرياء لسلب ثرواتهم وهم يطبقون علينا هذا لا يرتاحوا حتى يرونا في اسفل السافلين وننتظر معوناتهم المذلة والمسمومة الله يرحم الشهداء اما الاحياء فلا استثني منهم احدا

  • الحر

    - انشاء وزارة للعقار ومسح الاراضي
    - انشاء مدرسة وطنية لمسح الاراضي
    - تعديل وألغاء معظم القوانين المسيرة للعقار خاصة التي صدرت بعد1990 .
    - الغاء المرسوم المنشئ للوكالة الوطنية لمسح الاراضي
    - تعديل الامر95/08 المتضمن انشاء هيئة المهندسين الخبراء العقاريين.
    - تعديل قوائم الخبراء القضائيين اختصاص العقار , بإعتماد مهندسي مسح الاراضي فقط
    - اعادة تأهيل المهندسين , المفتشين , المراقبين , اعوان المعاينة وذلك بالرسكلة وتكوينهم في النظم المعلوماتية والتقنية الجديدة.
    وفي الاخير مشكور ي على ذلك

  • الحر

    أول حكومة ان شئتم حاولت انشاء البنك هي حكومة فرعون ...ثم في العصر الحديث نابليون بونابارت الذي استعمله لتجزأة الاراضي الفلاحية لتساعد على الاستعمال الامثل في الزراعة والفلاحة وتربية المواشي , ثم عمم ذلك على المناطق الحضرية وقد تم ضبط وتحيين كل التشريعات والقوانين حسب معطيات البنك الجديدة ولذلك الآن اذا ما رأيت صورة جوية لاي منطقة من اوروبا بما فيها تركيا ترى اشكال هندسية للقطع الفلاحية منتضمة عكس افريقيا او الجزائر ؟؟؟؟ والحل يكمن فيم يلي:....يتبع

  • الحر

    والآن رئيس الشركة الدولية للمستشارين في الاستراتيجية بباريس و كذا رئيس PlaNet منظمة دولية متخصصة في تطوير وتنمية التمويل المصغر التي دعمت و مولت مشاريع في أكثر من 80 دولة ...فما هو مسح الاراضي ( LE CADASTRE) ؟ هو الذي ينشئ ويؤسس بنك المعلومات العقارية الذي هو قاعدة اساسية لأي مشروع , مخطط , برنامج حكومة او دولة على المدى القريب, المتوسط والبعيد لسبب بسيط ان اي مشروع لابد له من وعاء عقاري الذي يجب ان تتوفر فيه شروط تتلائم وطبيعة المشروع والتي التي لا يوفرهالناالا هذا البنك الغائب في بلدنا..يتبع

  • الحر

    الارض التي حبانا الله بها ولم نستغلها كما يجب وبالمعايير التقنية الحديثة التي تبدأ من:
    1- انشاء بنك معلومات للعقار :وذلك بالاعتماد على عمليات مسح الاراضي بشقيها الريفي والحضري والذي يسمى ( LE CADASTRE ) , وهنا اذكر بما قاله الاستاذ جاك أتالي ( دولة بدون مسح الاراضي , دولة عمياء ) (un état sans cadastre est un état aveugle) وللتذكير ايضا ان هذا الاستاذ الكاتب كان مستشارا خاصا للرئيس الفرنسي ميتيران من 1981 الى 1991 وهو مؤسس ورئيس البنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية بلندن من 1991-1993..يتبع

  • الحر

    ان الحل لا زال قائما ولكن تغيير الخيارات السياسية بعيد المنال , التغيير لا زال قائما من باب الاعتماد على الثروة الأولى الكفاءات العلمية والفكرية ( لقوله تعالى : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[النحل: 43]} والثروة الثانية( الارض) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ[هود61].يتبع

  • صالح

    بارك الله فيك وأرشدني وإياك إلي الصواب ،ولا أقول إلا ماقاله الشاعرالعربي :
    لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تبادي.
    لونارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرماد.
    فلنلجأ إلي الله وندعوه بصالح أعمالنا_ إن وجدت_لينجينا من هذه الضائقة كما أنجي الثلاثة _الذين انسد عليهم الغار _بفضل دعائهم الله بصالح أعمالهم. ربنا هب لنا من لدنك رحمة وهيء لنامن أمرنا رشدا.

  • مواطن ك.ب

    أيادى خارجية تجرب القنبلة الدمار البشر والحجر فى بلدنا وأحنى نتفرج عليهم, ياالعار باعو شرفنا وأرضنا بالدولار هذى خيانة عضمى

  • بدون اسم

    للأسف بعض المسؤولين في بلادنا و كأنهم يعيشون في المريخ؟ فهم لا يعرفون واقع بلادهم و لا كيفية التعامل مع شعبهم؟ فبدل مصارحة الشعب بالحقيقة دون لف أو دوران تجدهم لزالوا يمارسون عليه الكذب و المراوغة و الديماغوجية؟ لا شيء ينفع في الوقت العصيب غير قول الحقيقة و الحقيقة كلها؟

  • بدون اسم

    للأسف بعض المسؤولين في بلادنا و كأنهم يعيشون في المريخ؟ فهم لا يعرفون واقع بلادهم و لا كيفية التعامل مع شعبهم؟ فبدل مصارحة الشعب بالحقيقة و دون لف و دوران تجدهم لزالوا يمارسون عليه الكذب و المراوغة و الديماغوجية؟ لا شيء ينفع في العصيب غير قول الحقيقة و الحقيقة كلها؟

  • أبومحسن

    ومن يكمل سياسة الارض المحروقة ؟ لم ولن يشفى غليلهم حتى يروا الجزائر ، جزائر يوغرطة و عقبة و الامير وبن باديس و بن مهيدي ، تسبح في الفوضى والقتل والفقر و...