الرأي

“الجزائر” في مرسيليا!

ح.م

القول بأن الجزائر لا تستغل الفرص الكثيرة التي تتوفر لها، في جميع المجالات، هو حقيقة لا يمكن تجاهلها أبدا، فقد كان بإمكانها استغلال كثير من الظروف الإقليمية والعالمية لأجل تحقيق الطفرة المأمولة، ولكن في كل مرة تُضيع مثل هذه الفرص وتبقى تسير ببطء.. عفوا بسرعة، ولكن إلى الخلف.

الطاقة البشرية التي تمتلكها الجزائر خارج الوطن مازالت مجمدة، منها من شاخ وغادر الدنيا، ومنها من ينتظر، ولا شيء بدّل في أسلوب الجزائريين شعبا وسلطة، مع طاقاتهم ومواهبهم، تبديلا.

قبل مباراة كرة في افتتاح الدوري الفرنسي بين مرسيليا وضيفها رامس، حضر أكثر من خمسين ألف متفرج في المدينة السياحية التاسعة عالميا، إلى ملعب المدينة الكبير، وقبل بداية المباراة، رسم أنصار مرسيليا لوحة فنية في المدرجات العلوية كُتب فيها اسم الجزائر باللغة العربية وباللون الأخضر، في مباراة لم يكن ضمن ممثليها من لاعبين ومدربين أي عنصر جزائري، ولكن الوطنيين من الجزائريين الذين قذفتهم الظروف التاريخية للعيش في فرنسا ومنهم من ولد هو ووالديه هناك، رسم الكلمة التي هي بالتأكيد منقوشة في قلبه.

لا أظن أن مثل هذه الحادثة “الوطنية” وقعت مع بلد آخر في العالم، كأن يرسم المهاجرون المغاربة في بلجيكا وعددهم يفوق النصف مليون، اسم المغرب في ملاعب بروكسل وبروج، أو يكتب الأتراك وعددهم يقارب الأربعة ملايين في ألمانيا اسم بلدهم في ملاعب ميونيخ وفرانكفورت، أو يفعلها أهل سورينام في هولندا، ومع ذلك يبقى هذا الجسر “الوطني” القوي من دون أن يُحرّك لهذه السلطة النائمة هنا إلى حدّ الشخير، أي ساكن.

لقد كان صدى “الحراك الشعبي” وفوز الجزائر بكأس أمم إفريقيا، قويا جدا في المهجر، ولن نجد نموذجا للاستفادة من الطاقات الجزائرية المتناثرة في القارات الخمس، مثل النموذج التركي، الذي استعان بإطاراته المتواجدة في ألمانيا والنمسا والولايات المتحدة الأمريكية، فنجح في ثورته التنموية أكبر نجاح، وبعد أن كانت تركيا نِسيا منسيا، صارت وفي ظرف وجيز، تصدّر لنا الثقافة والأثاث واللغة والأدوية، وتجلب الجزائريين إليها للسياحة والتداوي والدراسة وحتى للهجرة.

لا معنى للوطنية إن بقيت عبارة عن أعلام ترفرف في ملاعب العالم، أو نشيد وطني يُعزف بحماس، فالبلاد في حاجة إلى حراك علمي واجتماعي كبير، وكل فرص النجاح متوفرة في الداخل وفي الخارج، لأن الذي كتب في قلب فرنسا اسم بلده بلغة وطنه، متحديا كل نظرات الاستصغار والاحتقار وحتى التي تتهمه بالإرهاب، مستعد لأن يقدم لهذا الاسم، ما يمتلكه من مؤهلات، ولا يمكن أن يحدث هذا إلا بضخّ وجوه جديدة وجادة في مختلف القنصليات في الخارج، حتى لا تبقى مجرد مبان يشتغل فيها رجال يديرون أعمال رجالات الداخل، الذين عيّنوهم هناك، ويتذكرون جاليتنا في كل مناسبة وطنية أو دينية برقصات فولكلورية ولباس تقليدي وطبق الكسكسي أو الشخشوخة.

مقالات ذات صلة