الرأي

الجنون في مقاولات العمالة والمقاومة

حبيب راشدين
  • 1592
  • 9
ح.م

جائحة الجنون والحمق تنتشر وتتوسع في القارات الخمس بلا شك، مع بؤرة مستدامة متنامية لها في قلب العالمين العربي والإسلامي، يشترك فيها الحكام والنخب العالمة والعامة المسيَّرة من الناس، وقد فقدت الأكثرية البوصلة، واجتُثت الحكمة من العقول وقبل ذلك انطفأت جذوتها في الصدور، قد صُدمنا بما ظهر من أعراضها في مواقف وسلوك النخب والقيادات التي تتصدر المشهد في ما يدور من فتن وحروب بالوكالة في ربوع العالم العربي تحديدا، لم نعد نميز فيها بين المقاوِل بالعمالة بشكل سافر، والمناول برايات المقاوم الكاذبة.

من الشرق نتابع بأسى تقسيم الأدوار بين القوى الدولية المتكالبة على العالم العربي ووكلائها في الإقليم من حكام العرب والعجم، وهم ينفذون بالمكشوف سياسة تقسيم المقسَّم، وتجريف الجغرافية التي قسمتها منذ قرن “اتفاقية سايكس بيكو” بأدوات الفتن الطائفية والقومية والمذهبية التي تفتت اليوم النسيج الاجتماعي، وتعطل فرص التعايش التي صمدت قرونا في وجه الحملات الصليبية والاجتياح الاستعماري الغربي.

لسنا معنيين باجترار مفردات الجنون الغربي الذي اعتدناه منذ حملة البابا أوربان الثاني، وخبرناه في الحملات الصليبية الثمانية، وفي حروب الاسترداد القشتالية، ثم في ما تلاها من حملات استعمارية اجتاحت الجغرافية العربية والإسلامية، ونراها تتواصل باحتضان ودعم الغرب للكيان الصهيوني، واستدعائه اليوم لقوى إقليمية من العجم، وتوظيفه بالمكشوف لأنظمة عربية فاسدة، تتحمل مسؤولية إدخال الوحش الأمريكي إلى أرض العرب من بوّابة العراق، لتستبيح الدم والأرض والعرض، وتفترس خيرات العرب قبل تسليم إدارة الخرابات لوكيلين من أعاجم الإقليم قد أضيفا للوكيل الصهيوني الدائم.

وقد لا نكون في حاجة إلى إعادة استكشاف أعراض الحمق والخيانة الموصوفة عند ثلة من النخب العربية المقاولة بلا حياء لثقافة الاستسلام المهين للأمر الواقع المفروض علينا في فلسطين المحتلة، ثم في الاحتلال الأمريكي للعراق، وعدوان حلف النيتو على ليبيا، لأن هذه النخبة قد افتضح أمرُها، وباتت مكشوفة عارية، ألحقتها الشعوب العربية بقوافل العملاء والخونة من سلالة حاكم عكة، لكننا حتما معنيون بهذا الخليط من القيادات والنُّخب التي رفعت عاليا شعار المقاومة لنكتشف أنها محض مجاميع مقاولة.

كيف لنا أن نفسِّر الجنون الصرف في خرجة زعيم حزب الله وهو ينبري لدعوة الشعوب العربية إلى الرد بالوكالة عن جمهورية الملالي على مقتل قاسم سليماني، ويحرض فصائل الحشد الشعبي الشيعي في العراق، والحوثيين في اليمن، للدخول في حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة، بدماء العرب ومقدراتهم وعلى أرضهم، ثم يدعي أن الطريق إلى القدس المحتل يمر حتما عبر ترحيل القوات الأمريكية من الإقليم، وربما قد يرفع عما قريب شعار “تحرير القدس يمر عبر تحرير واشنطن” من الشيطان الأكبر كما رفع من قبل شعار “تحرير القدس يمر عبر تحرير الفلوجة والرمادي والموصل والرقة وحلب”؟

أعراض الجنون والحمق بدأت- للأسف- تستحوذ على عقول وسلوك نخب سياسية فكرية وإعلامية من شمال إفريقيا، وهي تصطفُّ بغباء دفاعا عن معسكر من أعراب الخليج تقاول خلف المغامر حفتر وميليشياته من تبرك، ينافسها فريقٌ آخر يسوِّق لمشروعية التدخل التركي المقاول مع قطر خلف ميليشيات طرابلس ومصراتة، في مواجهة مفتوحة قد تلحق شعوب ودول شمال إفريقيا بخرائب الشام بعد خراب البصرة.

مقالات ذات صلة