الجزائر
مناوشات بين الجيران وأفراد العائلة لأسباب تافهة

الحجر المنزلي يرفع القضايا الاستعجالية في المحاكم

وهيبة سليماني
  • 3242
  • 6
أرشيف

“التباعد الاجتماعي”، هذه العبارة التي فرضها فيروس كورونا، لا يستحسنها الكثير من المختصين في علم الاجتماع، والحقوقيون، ويرونها غير لائقة لأنها تدل عن انقطاع التواصل والحوار، حيث يفضلون أن يقال بدلا منها “التباعد الجسماني”، هذا التباعد الذي ساهم في تراجع العنف في الشارع بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان، والتحرش ضد المرأة، والشجارات جراء المناوشات التي كانت تتسبب فيها التجمعات والجماهير.. العنف “الصامت”، ظاهرة جديدة وإن كانت خفية نوعا ما، فإنها وجه آخر لحرب باردة بين الجيران وسكان التجمعات السكنية، وحتى بين أفراد العائلة الواحدة، ويأتي هذا في ظل الحجر المنزلي!

مشاحنات وتصرفات تسيء إلى الآخر، ومن دون أدلة مادية مقنعة، ومن دون شهود، في الكثير من الأحياء، حيث أكد الدكتور الحقوقي والمحامي، صادق جدي، أن العنف الصامت، جاء كبديل لغياب العنف المعهود في الملاعب، والأحياء الشعبية والمقاهي والأسواق، ووسط الجماعات، كما أن التباعد الاجتماعي هذا البند الذي فرضه فيروس كورونا المستجد، ولا يفضل أن يطلق عليه هذه العبارة والتي يراها لا تؤدي المعنى الحقيقي والذي يقصد به التباعد الجسدي، ساهم خلال شهر رمضان الجاري في الحد من التحرشات والعنف اللفظي والمادي في الشارع، لغياب أيضا وسائل النقل الجماعي، والمقاهي والسهرات في ليالي الشهر الكريم.

ويرى الحقوقي، صادق جدي، محام لدى مجلس قضاء سطيف، أنزيادة وتيرة الجرائم الحقيقية الفعلية وإعطاءها أولويات وخاصة خلال الظرف الاستثنائي المتعلق بكورونا، جعلا الجهات الأمنية والقضائية، لا تنظر إلى أشكال العنف الصامت بأهمية، خاصة أن أغلب قضايا هذا العنف تفتقر إلى أدلة وشهود.

وتعليق المتابعات القضائية أمام القسم الجزائي، والخوف من كورونا، من الأسباب التي عززت العنف الصامت، حيث يضطر الضحية، إلى السكوت والتنازل عن حقه، حيث يؤكد المحامي صادق جدي، أن هذا العنف يكثر خاصة بين سكان العمارات، ويتمثل في تسرب الماء من قاطن الشقة العلوية إلى السفلى، ولعب الأطفال أمام باب الجيران بدل باب منزلهم، ورمي الأوساخ وسد بعض المنافذ في العمارات، وركن السيارات بطريقة غير قانونية أو باستعمال “الحقرة” وفرض النفوذ، وتصليحات وترميمات وقرقعة، وخبط بالأرجل في الشقة العلوية، وغيرها من أشكال العنف من دون شاهد ودليل.

ارتفاع عدد قضايا الاستعجالي في المحاكم خلال رمضان

وفي جولة استطلاعية لـ”الشروق”، إلى محكمتي الحراش وحسين داي، تبين أن قسم الاستعجالي الذي بقي يستقبل المتقاضين، يعج بقضايا الجيران، ذات الطابع المدني، وتتعلق بتسربات الماء، وركن السيارات، ورمي الأوساخ، وغلق منافذ الهواء في العمارات، وكسر عدادات الماء، وقال المحامي صادق جدي، إن قضايا الاستعجالي مؤقتة، ولكن القاضي يحوز حق الفصل في الموضوع، وإلزام المدعي عليه، باتخاذ الإجراءات الضرورية واستدراك ما تسبب فيه.

وأوضح، أن تأجيل الجلسات الخاصة، بالجنح، أدى إلى لجوء ضحايا العنف والاعتداءات، إلى الاستعجالي، خاصة في أمور تطلب حلا عاجلا، والتي تؤثر على الضحية وهذا حسب المادتين 299 و300 من قانون الإجراءات الجزائية والمدنية الجديد، حيث يدفع الاستعجال الخطر الذي يحدق بمصلحة شخص أو عدة أشخاص.

العنف الصامت قد يتسبب في أمراض نفسية وجسدية

وفي هذا السياق، قال خبير علم النفس، الدكتور مسعود بن حليمة، إن العنف الصامت والذي يكون فيه جانبا كبيرا من العنف اللفظي غير جسدي، يرتكز على الإذلال، و”الحقرة”، ويدفع الضحية إلى حالة غضب يصبح في الأخير هو المخطئ، أو تعرضه للاتهام بالنرفزة والعصبية وحتى الجنون، مشيرا أن خوف الجيران من إقحام أنفسهم في بعض المشاكل بين بعضهم، ورفضهم للشهادة أمام الجهات القضائية، عزز العنف الصامت.

وتكمل خطورة العنف الصامت بما فيه اللفظي، كونه لا يترك آثارا في غالب الأحيان ولا يتوفر حسب الدكتور بن حليمة، على أدلة دامغة، تجعل الضحية يواجه المعتدي عليه، أو المعنف له، أمام الجميع، وإرغامه على ترك السلوك الذي يمارسه ضده، وهذا ما يؤدي إلى إخضاع الضحية والإضرار به عن طريق وضعه تحت هذا النوع من العنف لمدة طويلة وتحت وطأة ضغط مستمر، قد ينتج عنفا جسديا أو انتقاما، وأمراضا نفسية وجسدية، خاصة ونحن في مرحلة استثنائية لفيروس كورونا.

مقالات ذات صلة