الحديث الكاذب.. وروح الأمل
الأمل الحقيقي لا يقتله سوى الحديث الكاذب، أما الحقيقة فهي وحدها التي تُنعشه إن لم نقل إنها روح الأمل.
لا يمكننا أن نَبني سياسة تَسمح بإفشاء الأمل بين الناس من غير قول الحقيقة وإن كانت مرّة.
كُنَّا نعتقد إلى حين أن حديث مسؤولينا عن الإنجازات الجبّارة هنا أو هناك، وتجنب الإشارة إلى نقاط الضعف مهما كانت كبيرة أو صغيرة هو الذي يصنع الأمل، فإذا بالتكنولوجيا المتقدمة والإنترنت تدحض هذه الفرضية تماما.. يكفي وجود تعليق صحيح هنا أو خبر مؤكّد أو دليل بالصوت والصورة هناك ليتحوّل حديث المسؤول إلى حديث مثبِّط للآمال، محطّم للعزائم والإرادات عكس المراد منه تماما.
لقد تبدّلت قواعد التعامل مع الواقع بدخولنا التدريجي إلى مجتمع المعلومات، إلا أن سياستنا الإعلامية لم تتبدّل، مازالت إلى اليوم تسير وفق آليات عهد ما قبل انترنت.. نادرا ما يرتكز الخطاب الحكومي على قول الحقيقة وإن كانت مُرة.. باستمرار كانت الإشادة بالإيجابيات هي أسلوب مكافحة اليأس، وشيْطنة المعارضة هي طريق تبرير الهزيمة.. نادرا ما كان سعينا للوصول إلى الأمل عن طريق الحقيقة المباشرة بلا لف ولا دوران ولا خداع، حتى انهارت أسعار البترول، وفجأة تغير الخطاب، وتبدّل الحديث.
اليوم أصبح بإمكان مسؤولي القطاعات المختلفة الحديث عن الأزمة، عن نقص الإمكانات، عن عدم القدرة على الاستمرار في سياسات الدعم المختلفة، عن كون البلاد من الهشاشة بمكان، وينبغي قول ولو بعض الحقيقة للناس.
هل يعني ذلك بداية عودة لروح الأمل؟
يمكن أن يكون الأمر كذلك إذا كان ما يقال هو الحقيقة بعينها، والذين يقولونه هم الصدق بعينه، أما دون ذلك فهو مجرّد كلام سينقلب أصحابه عليه بعد حين عندما تنقلب أسعار البترول صعودا مرة أخرى.
علينا أن نتذكّر بأن ما حققه آباؤنا من انتصارات وثورة كبرى بالأمس أعادت روح الأمل للناس، لم يكن سوى قولهم الحقيقة: إنهم بلا إمكانات أو قدرات مادية، ولكنهم يتحلون بالصدق والإرادة والاستعداد للتضحية… وكان ذلك كافيا ليحتضنهم الشعب ويبتكر لهم الوسائل حتى تحقيق النصر المبين.
هل يمكن أن يتكرر ذلك اليوم بذات المنهجية وبذات الأسلوب؟ وهل سنصنع روح الأمل مرة أخرى؟
يمكن ذلك في حالة واحدة:
عندما يكون رجال ونساء اليوم في مستوى صدق وإخلاص ونية شهداء الأمس رحمهم الله.
هل هم كذلك؟ هل يكونون؟ ذلك هو السؤال.