-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحراك النخبوي المثمر.. بلدية كوينين نموذجا

التهامي مجوري
  • 2229
  • 4
الحراك النخبوي المثمر.. بلدية كوينين نموذجا
ح.م

بلدية كوينين بلدية صغيرة، من بلديات ولاية الوادي، مساحتها 142 كلم2، عدد سكانها: ثلاثة عشر ألف ساكن، تحدها من الجهات الأربع: بلديات الوادي عاصمة الولاية من الجهة الجنوبية، وتغزوت من الجهة الشمالية، وورماس من الجهة الغربية، وأخيرا من الجهة الشرقية حسني عبد الكريم.

ففي الوقت الذي ترى فيه بعض نخبنا الوطنية أن الشعب تجاوزها، بالحراك الشعبي الذي انطلق يوم 22 فبراير 2019، يوجد حراك نخبوي يعمل بصمت وتؤدة وفاعلية ونشاط مطرد، ولكنه حراك جنت عليه الجغرافيا، بسبب وجوده في المناطق الداخلية، التي حجبته  عن الأنظار، وحرمت الجماهير من الاستفادة منه، مثل هذا النموذج الذي نعرضه على نخبنا الوطنية اليائسة اليوم، الذي تحرك قبل حراك 22 فبراير بسبع سنوات، وأحدث حراكا فعالا ومثمرا، وإن كان محدودا جغرافيا.

فهو حراك النخبة التي شعرت بواجب التحرك، فتحركت وفعلت، ووُفِّقت في القضاء على اليأس، الذي فرضته النخب الفاسدة، من الذين أهلكوا الحرث والنسل، ولم تنتظر تحرك الشعب، لتعلن عن إيمانها بقدراتها وإراداتها الخيرة…، وتبشر بيأسها من الأطر السياسية المألوفة. وخوف هذه النخبة اليوم، بعد سبع سنوات من النضال المحلي، أن تتبخر جهودهم ، فتبقى أثرا بعد عين.

إن قصة هذا الحراك النخبوي، أن مجموعة من الشباب، من هذه البلدية الصغيرة –كوينين-، تتراوح أعمارهم ما بين 29 سنة و52 سنة، من الناشطين في الأحزاب والحركة الجمعوية، جمع بينهم عدم الرضى على صيغة النضال المفروضة على الساحة السياسية، في الأحزاب الموالية والمعارضة، وفي المؤسسات الرسمية، توحدت رؤيتهم على الرفض القاطع لسلوك الادارة المحلية، المستمد من فساد النظام السياسي الذي عم الممارسة الحزبية عموما.

ورغم اختلاف توجهات هذه الفئة من الشباب، باختلاف الجهات التي ينتمون إليها، إلا أن ما جمع بينهم هو أنهم لم يرتاحوا إلى مستوى الخدمة التي تقدمها بلديتهم للمواطن، فاقتنعوا بأن الطريق الصحيح هو أن يراهنوا على “مشروع محدد ومضبوط يهدف إلى خدمة بلديتهم وكفى، والارتقاء بها إلى مصاف البلديات التي تحترم نفسها”، بقطع النظر عن الجهات الحزبية والجمعوية التي ينتمون إليها، ولكن ذلك لا يتحقق إلا بإنشاء تكتل منظم يهدف إلى هذه الغاية، فنظموا لقاء سريا فيما بينهم وبحثوا الموضوع من جميع جهاته، واعتبروا هذا اللقاء بمثابة التحضير إلى ثورة على الواقع الذي يعيشونه، وقرروا في ذلك اللقاء -في سنة 2012 – أن يترشحوا بقائمة مستقلة للمجلس الشعبي البلدي لبدية كوينين، ولكنهم نُصِحوا بأن لا يترشحوا مستقلين؛ لأن المنطق الحزبي السائد يومها سيقصيهم، بسبب عادة الكوطات التي تُسيَّر بها البلاد من الأعلى إلى الأسفل، فخافوا على المشروع من الفشل، رغم أن التناغم بينهم وحده كان قادرا على تخطي الصعاب، ولكن الخوف في المشاريع الطموحة، أفضل من الإقدام غير مضمون العواقب.

وبعد الأخذ والرد أهتدوا إلى الاتصال بالأحزاب، وبدأت المفاوضات مع الأحزاب والجهات الفاعلة من جمعيات وأعيان وغير ذلك…، إلى أن وصلوا إلى الحزب الذي يقبل بطروحاتهم، التي تشترط القبول بالقائمة كما هي، إذ لا غاية لهذه القائمة إلا خدمة البلدية، بحيث لا توجد علاقة بين الحزب أو أية جهة اخرى، وهذه المجموعة إلا الغطاء التنظيمي، مع ضمان فوز القائمة الذي يعد فوزا للجميع في النهاية. فكانت لهم المشاركة باسم الحزب الذي قبل شروطهم مع التعهد بالفوز…، ففازوا بالأغلبية في المجلس وتحكموا في البلدية وشرعوا في تنفيذ مشروعهم الاصلاحي، الذي ركز بالأساس على بناء جسور الثقة بين البلدية والمواطن، خلال العهدتين 2012/2017… مع ملاحظة أن العهدة الأولى كانت باسم حزب، والعهدة الثانية كانت باسم حزب آخر.

وانا هنا لا أتكلم في عرض هذه التجربة للحراك النخبوي على المنجزات المادية، التي تحققت في ظلال أنشطة هذه البلدية؛ لأن صلاحيات البلدية معروفة، حيث لا تستطيع أن تفعل شيئا إلا بمباركة “ديناصورات الولاية”، وذلك لا يتسنى لمن يبحث عن الانعتاق من كماشة العصب الفاسدة، التي بنيت خلال الثلاثين سنة الماضية تحديدا، ومع ذلك أجدني مضطرا للكلام عن تجربة هامة، وهي إنشاء منطقة خاصة بتربية المواشي، تشبه المناطق الصناعية، معزولة عن المناطق السكانية، لتوزيعها على ممارسي نشاط تربية المواشي، وذلك استجابة لشكاوي المواطنين، من مربي المواشي الذين لهم اسطبلات في بيوتهم، يؤذون بها جيرانهم، بسبب الروائح الكريهة وصياح البقر والماعز والغنم..، وهذه التجربة لا يوجد لها مثيل في ولاية الوادي حسب علمي، إلا في بلدية واحدة اخرى هي بلدية وادي العلندة.

وإنما حديثي سيركز عن التجربة من خلال الانجازات السياسية الاجتماعية والكفاءة في التسيير، حيث استعادت هذه البلدية الصغيرة –بفضل نشاط وفاعلية هذه النخبة- الثقة التي كانت مفقودة بين البلدية والمواطن، بحيث أصبحت البلدية توزع 17 مسكنا من أصل ستمائة طلب سكن، ولا أحد يشكو أو يحتج، لما لاحظ الناس من شفافية وصدقية في توزيع السكنات، وكذلك على مستوى الثقة في الإدارة، فقد ارتفعت المشاركة في الانتخابات المحلية إلى 70 و75 بالمائة، بفضل المصداقية التي أطلت بها هذه النخبة على البلدية، حتى أن بعض المواطنين لم يصوتوا منذ انتخابات 1990/1991، إلا ابتداء من سنة 2012 .

لقد أسس لهذه المصداقية، رجال لهم مصداقيتهم في “المجتمع الكوينيني”، باعتبار أن لهم حضورا سابقا كأشخاص، ثم بما جسدوا على أرض الواقع من أنشطة، عندما استلموا المجلس البلدي بنسبة 11 عضوا من 15 عضوا.

أولا: قسموا البلدية إلى 13 حي وفق ما هو قائم،  وانشأوا لها لجان أحياء، منتخبة في مهرجان عام مفتوح على الترشح والانتخاب، لتصبح لجنة الحي شريكا رئيسيا للمجلس البلدي، ومسؤولا مباشر عن قسم من كل قضية تهم الحي، بحيث أضحت لجان الأحياء وكأنها مجالس أحياء تمثل الوسيط المساعد للمواطن على اكتشاف حقوقه والمطالبة بها وحمايتها والدفاع عنها…، وبالنسبة للبلدية تمثل هذه اللجان المساعد على هيكلة المجتمع وترتيب أموره، لا سيما في ظل القيد الإداري الممركز الذي يحرم المجتمع من حقوقه المشروعة، بسبب المركزية مقطوعة الصلة بالأطراف.

ثانيا: تقديم الخدمات الاجتماعية بالاشتراك مع الجمعيات، التي لها تمثيل في تراب البلدية.، كقفة رمضان، والدخول المدرسي وغيرها من المناسبات.

ثالثا: لقاء دوري شهري تقييمي لوضع البلدية، يتجاوز لقاءات الصالونات إلى مستوى الحوار المباشر مع الجماهير في كل ما يصلح البلدية وسكانها.

رابعا: بحكم أن صلاحيات البلدية محدودة، بسبب المركزية الادارية، التي تربط حبلها السري بالولاية، فإن معانات هذا الفريق المتجانس لا تكاد تنتهي، ولكن طمأنينته التي تمثل له السند القوي، تكمن في علاقته بسكان البلدية المستعدون للتضامن معه، ولو في مواجهة الادارة…، وكذلك أمر آخر، فإن هذا الفريق مستعد للإستقالة الجماعية، عندما تسد الأبواب في وجهه، لا سيما تلك السلوكات الملتوية التي ألفتها المجالس البلدية، أو فُرِضت عليها من قبل العصب النافذة في البلاد، والمزروعة في جميع هياكل الدولة “ذهابا وإيابا”.

والجميل في هذه التجربة والذي أراه جديرا بالتعميم على بلديات الوطن كلها، ونتمنى أن تحذو حذوها الطبقة السياسية، التي تريد الإصلاح الفعلي، والنهضة الحقيقية بالمجتمع، هو أنها تجاوزت الحزبية، وذهبت مباشرة إلى الفعل المطلوب، وهو خدمة البلدية، لا يهم أن تكون تحت هذا العنوان أو ذاك، وإنما الشرط الأساس هو خدمة البلدية، ولذلك وجدنا هذه الكوكبة، ترشحت في العهدة الأولى باسم حزب، ثم ترشحت في العهدة الثانية باسم حزب ثاني، والإنتخابات الجزئية المتعلقة بعضوية مجلس الأمة، دعمت حزبا ثالثا، والبوصلة في كل ذلك هي خدمة البلاد، اكثر منها خدمة الحزب.

لم أجد ما أعاب على هذه النخبة التي سلكت هذا المسلك، إلا ملاحظة عابرة من متابع لأنشطتهم، قالها لي في معرض كلامه عنهم، إنهم في حملتهم الانتخابية بالغوا في نقد وتجريح سابقيهم، وعَقَّب بعد ذلك بقوله، ربما كان ذاك فعل الأتباع.

هنيئا لأهل كوينين على هذه التجربة، وتمنياتنا لهم بالمزيد من الإبداع العطاء المثمر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • أنا

    الحراك الذي يرفض صورة بن مهيدي، سيجني الشوك في النهاية

  • wald haim

    يا استاذ كانك تتحدث عن امريكا
    المجالس البلدية في امريكا يشترط ان تكون غير متحزبة

  • ياسين

    تحية لهؤلاء الذين فهموا كما يقول بن نبي رحمه الله: "أن التاريخ لا يبدأ من مرحلة الحقوق، بل من مرحلة الواجبات المتواضعة في أبسط معنى الكلمة، الواجبات الخاصة بكل يوم، بكل ساعة، بكل دقيقة، لا في معناها المعقد، كما يعقده عن قصد أولئك الذين يعطلون جهود البناء اليومي بكلمات جوفاء، و شعارات كاذبة يعطلون بها التاريخ، بدعوى أنهم ينتظرون الساعات الخطيرة و المعجزات الكبيرة" (في مهب المعركة، ص78).

  • جزائري حر

    يا هدا يا كاتب المقال النخب تتبع من طرف الجاهلين وما يحث عندنا هو العكس ومن تم فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسميهم نخب ربما تبع نعم وهدا شيئ موجود للأسف الشديد بشكل كبير في المجتع الجزائري لأن النخب تخاف الجهال لكثرة أعدادهم بشهادة واحد ماعندوش السيزيام.